يرى محبّه يتحمل لأجله من الأذى والوصب ما يصدق محبته.
من أجلك قد جعلت خدي أرضا ××× بغيتي للشامت والحسود حتى ترضى
ومن أثر إلهي:(بغيتي ما يتحمل المتحملون من أجلي) ، فالله ما أحب إليه احتمال محبيه أذى أعدائه لهم فيه، وفي مرضاته، وما أنفع ذلك الأذى لهم، وما أحمدهم لعاقبته، وماذا ينالون به من كرامة حبيبهم وقربه قرة عيونهم به، ولكن حرام على منكري محبة الرب تعالى أن يشموا لذلك رائحة، أو يدخلوا من هذا الباب، أو يذوقوا من هذا الشراب.
وسامح بؤساً لم يؤهل لحبهم ××× فما يحسن التخصيص في كل موضع
فإن أغضب هذا المخلوق ربه، فقد أرضاه فيه أنبياؤه ورسله وأولياؤه، وذلك الرضا أعظم من ذلك الغضب، وإن أسخطه ما يجري على يديه من المعاصي والمخالفات، فإنّه سبحانه أشدّ فرحاً بتوبة عبده من الفاقد لراحلته، التي عليها طعامه وشرابه، إذا وجدها في المفاوز المهلكات، وإن أغضبه ما جرى على أنبيائه ورسله من هذا العدو اللعين، فقد سرّه وأرضاه ما جرى على أيديهم من حربه ومعصيته ومراغمته وكبته وغيظه، وهذا الرضا أعظم عنده وأبرّ لديه من فوات ذلك المكروه المستلزم لفوات هذا المرضي المحبوب.
وإن أسخطه أكل آدم من الشجرة، فقد أرضاه توبته وإنابته، وخضوعه وتذلله بين يديه وانكساره له.
وإن أغضبه إخراج أعدائه لرسوله صلى الله عليه وسلم من حرمه وبلدته ذلك الخروج، فقد أرضاه أعظم الرضا دخوله إليها ذلك الدخول.
وإن أسخطه قتلهم أولياءه وأحبابه، وتمزيق لحومهم، وإراقة دمائهم، فقد أرضاه نيلهم الحياة التي لا أطيب منها، ولا أنعم، ولا ألذّ في قربه وجواره.
وإن أسخطه معاصي عباده، فقد أرضاه شهود ملائكته وأنبيائه ورسله