والذي يطالع ما جاء في القرآن والحديث عن الشيطان يعلم أنه مخلوق يعقل ويدرك ويتحرك و....، وليس كما يقول بعض الذين لا يعلمون:" إنه روح الشّر متمثلة في غرائز الإنسان الحيوانية التي تصرفه - إذا تمكنت من قلبه - عن المثل الروحية العليا "(١) .
المطلب الثاني
أصل الشيطان
سبق القول أن الشيطان من الجن، وقد نازع في هذه المسألة بعض المتقدمين والمتأخرين، وحجتهم في ذلك قوله تعالى:(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاَّ إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين)[البقرة: ٣٤] . وهذه الآية وأمثالها يستثني الله فيها إبليس من الملائكة، والمستثنى لا يكون إلا من جنس المستثنى منه عادة.
وقد نقلت لنا كتب التفسير والتاريخ أقوال عدد من العلماء، يذكرون أن إبليس كان من الملائكة، وأنه كان خازناً للجنة، أو للسماء الدنيا، وأنه كان من أشرف الملائكة، وأكرمهم قبيلة.... إلى آخر تلك الأقوال.
قال ابن كثير: " وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف، وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها، والله أعلم بحال كثير منها، ومنها ما يقطع بكذبه؛ لمخالفته للحقّ الذي بأيدينا.
وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، وقد وضع فيها أشياء كثيرة، وليس لهم من الحفّاظ المتقنين الذين ينفون عنها تحريف الغالبين، وانتحال المبطلين، كما لهذه الأمة من الأئمة، والعلماء، والسادة، والأتقياء، والبررة، والنجباء من الجهابذة النقاد، والحفاظ الجياد الذين دونوا الحديث، وحرروا وبينوا صحيحه، من حسنه، من ضعيفه، من منكره، وموضوعه، ومتروكه، ومكذوبه، وعرفوا الوضاعين، والكذابين، والمجهولين، وغير ذلك من أصناف الرجال.