" وبعد دقائق جاءني، جاء من يزعم أنه أبي، فسلم علي، وأظهر سروره بلقائي، وفرحه بي على صلتي بهذه الأرواح، وأوصاني أن أعتني بالوسيط وأهله! وأن أرعاه رعاية عطف وإحسان، إذ لا مورد له من المال إلا من هذا الطريق.
وختم حديثه بالصلاة الإبراهيمية، وأنا أعلم أنه رحمه الله تعالى، كان شديد الولع بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا سيما الإبراهيمية.
وكان من العجب أن لهجة المتحدث شبيهة إلى حدّ ما بلهجة الوالد. ثم سلم وانصرف.
وأخذت أتسائل في نفسي: لم أوصوني أن لا أسأله عن شيء؟ !
في الأمر سر ولا شك!
السر الخفي الذي انكشف لي آنذاك، أنه ليس بوالدي، ولكنه قرينه من الجن، الذي صحبه مدة حياته، فجاءني يمثل لي صوته، ويتشبه بخصوصية من خصوصياته.
أوصوني أن لا أسأله عن شيء؛ لأن القرين من الجن، مهما عرف من شأن والدي وحفظ من أحواله، فلن يستطيع أن يحفظ كل جزئية يعرفها الولد من أبيه، فحذروا أن أسأله عن شيء من ذلك، فلا يجيبني، فيفتضح الأمر.
ثم سلكوا معي في لقائي مع الآخرين، أن لا يعرفوني بأسمائهم إلا عند انصرافهم، فيقول أحدهم: أنا فلان، ويسلم، وينصرف على الفور.
وفي ذلك من السر ما ذكرت: فلو أخبرني واحد منهم عن نفسه، وهو مشهود له بالعلم، فبحثت معه في إشكال علمي، لعجز عن الجواب،