ومراد صاحب المفتاح من الصياغة حيث قال ١: وإذا تحققت أن علم المعاني والبيان هو معرفة خواص تراكيب الكلام. ومعرفة صياغات المعاني هذه الصياغة المستعارة لتصوير المعاني، ولذلك أضافها إليه ٢ كما أن مراد الجاحظ أيضا هي ما نبه عليه الشيخ فيما نقلناه عنه سابقا.
وإذ قد وقفت على أن مراد الجاحظ من /س ٩٨أ/ التصوير الذي عبر عنه بالصياغة، تصوير المعاني ٣ بترتيبها الذهني، لا تصوير الألفاظ بتركيبها الخارجي، فقد عرفت أن من قال ٤ في شرح القول المنقول عن صاحب المفتاح أولا ٥: يشبه تأليف الكلام بترتيب كلماته متناسبة الدلالات على حسب الأغراض المقصودة منه بصياغة الحلي ٦، ومنه قول الجاحظ: أن الشعر صياغة وضرب من التصوير لم يصب ٧ في قوله.
ومنه قول الجاحظ: وإذا تحققت أن الصياغة المستعملة في عرف أهل هذه الصناعة تستعمل تارة لما في نظم الكلام
وتأليفه من أحداث الهيئة، وأخرى ٨لما في معنى ٩ الكلام وترتيبه من أحداث الصورة ١٠. فاعلم ١١ أنه لا دخل لعلم البيان في الصياغة بالمعنى الأول؛ فإن علم المعاني مستقل ١٢ في بيان ما يتعلق بها، وكذا الحال في الصياغة
بالمعنى الثاني إن لم يكن فيه تأثير للتوسع والتجوز؛ وإن كان فيها تأثير لهما فلعلم البيان فيها شركة مع علم المعاني، والحظ الوافر للثاني، ضرورة أن الأول ١٣ منه بمنزلة الغصن ١٤ من الدوحة ١٥، وقد فرغنا من تحقيق هذا في بعض تعليقاتنا ١٦.
وبهذا التفصيل تبين فساد ما قيل ١٧ في شرح القول /ع ٢١٠ب/ المنقول عن صاحب المفتاح ثانيا ١٨، أي علمت حقيقة أن علم المعاني هو معرفة خواص تراكيب الكلام، وأن علم البيان معرفة صياغات المعاني، أي تصويراتها بالصور المختلفة وإيرادها بالطرق ١٩ المتفاوتة على ما قال /س ٩٨أ/ الجاحظ: إن الشعر صياغة وضرب من التصوير، حيث مبناه على اختصاص معرفة الصياغة بالمعنى الثاني بعلم البيان.
بقي هنا شيء لا بد من التنبيه عليه، وهو أن المعاني المعتبرة عند أرباب هذه الصناعة ثلاثة أنواع:
الأول: معاني النحو التي كان النظم الذي هو الأصل فيها عبارة عن توخي تلك المعاني على ما ٢٠ صرح به الشيخ في مواضع من دلائل الإعجاز، منها قوله ٢١:" إذا كان لا يكون النظم شيئا ٢٢ غير توخي معاني النحو وأحكامه فيما بين الكلم، كان من أعجب العجب أن يزعم زاعم أنه ٢٣ يطلب المزية في النظم ثم لا يطلبها في معاني النحو وأحكامه ".