وجمهور البصريين لا يقبلون دلالة هذه الشواهد، ويؤولونها، فمما أولوا به البيت الاول أن " منجنونا " مفعول به لفعل محذوف، والتقدير: وما الدهر إلا يشبه منجنونا، وجملة الفعل وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، وكذلك قوله " معذبا " في الشطر الثاني: أي وما صاحب الحاجات إلا يشبه معذبا، وبعضهم يقول: منجنونا مفعول مطلق لفعل محذوف على تقدير مضاف، ومعذبا ليس اسم مفعول، بل هو مصدر ميمي بمعنى التعذيب، فهو أيضا مفعول مطلق لفعل محذوف، ونكالا في البيت الثاني اسم مصدر، فهو كذلك مفعول مطلق لفعل محذوف، والتقدير: وما الدهر إلا يدور دوران منجنون، وما صاحب الحاجات إلا يعذب معذبا أي تعذيبا، وما حق الذي يفسد إلا ينكل به نكالا أي تنكيلا، وهذه الجمل الفعلية كلها في محل رفع أخبار للمبتدآت الواقعة بعد ما النافية في المواضع الثلاثة. (١) ذهب بعض النحاة إلى أنه يجوز إعمال ما إعمال ليس مع تقدم خبرها على اسمها، واستدل على ذلك بقول الفرزدق: فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم إذ هم قريش، وإذ ما مثلهم بشر قالوا: ما نافية عاملة عمل ليس، ومثل: خبرها مقدم منصوب، والضمير مضاف إليه، وبشر: اسمها تأخر عن خبرها، وزعموا أن الرواية بنصب مثل. والجمهور يأبون ذلك، ولا يقرون هذا الاستشهاد، ولهم في الرد على هذا البيت ثلاثة أوجه: الاول: إنكار أن الرواية بنصب مثل، بل الرواية عندهم برفعه على أنه خبر مقدم، وبشر: مبتدأ مؤخر. والثاني: أنه على فرض تسليم نصب " مثل " فإن الشاعر قد أخطأ في هذا، =