(١) الذي ذكر ذلك هو ابن الحاج، وقد أخطأ الجادة، فإن العرب لا يمكن أن يكون من أغراضها الالباس، إذ من شأن الالباس أن يفهم السامع غير ما يريد المتكلم ولم توضع اللغة إلا للافهام، وما ذكره ابن الحاج لتدعيم حجته مما جاء عن العرب كله ليس من الالباس في شئ، وإنما هو من باب الاجمال، فلما التبس عليه الفرق بين الالباس والاجمال لم يفرق بين حكمهما، والفرق بينهما أن الاجمال هو احتمال اللفظ لمعنيين أو أكثر من غير أن يسبق أحد المعنيين إلى ذهن السامع، ألا ترى أنك لو سمعت كلمة " عمير " - بزنة التصغير - لاحتمل عندك أن يكون تصغير عمر كما يحتمل أن يكون تصغير عمرو، بدون أن يكون أحدهما أسبق إلى ذهنك من الآخر، فأما الالباس فهو احتمال اللفظ لمعنيين أو أكثر مع تبادر غير المقصود منهما إلى ذهن السامع، وذلك كما في المثال الذي ذكره الشارح، ألا ترى أنك لو قلت " ضرب موسى عيسى " لاحتمل هذا الكلام أن يكون موسى مضروبا ولكنه يسبق إلى ذهنك أنه ضارب، بسبب أن الاصل أن يكون الفاعل واليا لفعله، ولا يمكن أن يكون هذا من مقاصد البلغاء، فافهم ذلك وتدبره.