للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ينبغي. كما في قوله تعالى عن أسارى بدر: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (١).

نعم نقول: إن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أذن له بالاجتهاد واجتهد ونعم نقول: إنَّ بعض اجتهاداته لم تصادف الصواب، لكن أين حكم الله تعالى في الأمر الذي اجتهد فيه محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يصب؟

الاحتمالات العقلية أربعة:

١ - أما ألاَّ يكون الله تعالى حكم فيه أصلاً. وهذا باطل، فكل شيء عنده بمقدار، و {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} (٢).

٢ - أنْ يكون لله تعالى فيه حكم مخالف لما حكم به محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيترك - جَلَّ شَأْنُهُ - حكم محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سارياً على الأُمَّة ويوقف حكم نفسه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، وهذا واضح البطلان، لأنَّ محمداً - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه الحالة يكون مُشَرِّعاً غير شرع الله.

٣ - أنْ يكون لله تعالى حُكم مخالف لما حكم به محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باجتهاده، فيعدل سبحانه حكم محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليوافق حكم الله.

٤ - أنْ يكون لله تعالى حكم موافق لما حكم به محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باجتهاده، أو بعبارة أدق: أنْ يكون حكم محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - موافقاً لحكم الله، ومثل ذلك قوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسعد بن معاذ حين حُكِّمَ في بني قريظة فَحَكَمَ حُكمَهُ المشهور، فقال له رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ» (٣).

والحاصل الذي يجب الإيمان به أنَّ لله تعالى حُكماً في العباد، هو شريعته في أرضه.


(١) [الأنفال: ٦٧].
(٢) [يوسف: ٤٠].
(٣) رواه البخاري.

<<  <   >  >>