الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا من مؤهلاته أنْ يكون ماهراً فيها، ولا خبيراً بدقائقها، ولا يضيره أنه ليس عالماً بالذرةولا بطبقات الأرض، ولا بتفاعل الكيمياويات، ولا ينقل الصور والأصوات عبر الآلات، ومثل ذلك أمور الطب وفنون الحرب.
فإذا ما تكلم - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع الخبراء فيه فكلامه مبني على الظن الذي قد يخطئ، كأي إنسان غير متخصِّص، ولهذا جاء في بعض روايات حديث تأبير النخل:«إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ». «إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنّاً» وحديث تأبير النخل من هذا القبيل، فهو كلام مع المُتخصِّصين في الزراعة، العالمين بما يصلح النخيل.
فمحاولة الباحث جَرَّ هذا الحديث إلى المعاملات. لتستظل بظل هذا الحديث محاولة فاشلة ومرفوضة ومكشوفة البطلان، لما سنُبَيِّنُهُ في شرح الحديث تحليلياً، فنقول وبالله التوفيق:«أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِشُؤُونِ دُنْيَاكُمْ» جملة تقسم إلى ثلاثة مقاطع:
«أَنْتُمْ» والمراد من المخاطبين.
و «أَعْلَمُ» والمراد من المفضل عليه.
و «شُؤُونِ دُنْيَاكُمْ» وتحديد المراد منها.
وبعبارة أخرى: مَنْ؟ أعلم مِنْ مَنْ؟ وبأي شيء هم أعلم؟
أما المقطع الأول فالخطاب الشرعي عند الأصوليين هو أصالة لمن سمعوا الخطاب، وقد يقصر عليهم إذا كان التكليف لهم وحدهم، كقوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ