٢٢٢٥ - حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامِ الْجُمَحِيُّ؛ قَالَ: ⦗٣٦٥⦘ لَمَّا قَدِمَ سَعْدُ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْحِيرَةَ؛ قيل له: إن ها هنا عَجُوزًا مِنْ ⦗٣٦٦⦘ بَنَاتِ الْمُلُوكِ. قَالَ: وَمَنْ هِيَ؟ قَالُوا: الْحُرَقَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ عَقَائِلِ الْعَرَبِ، وَكَانَتْ إِذَا خَرَجَتْ إِلَى بَيْعَتِهَا نُشِرَتْ عَلَيْهَا أَلْفُ قَطِيفَةٍ مِنْ خَزٍّ وَدِيبَاجٍ، وَمَعَهَا أَلْفُ وَصِيفٍ وَوَصِيفَةٍ، فَأَتَتْ وَهِيَ كَالشِّنِّ الْبَالِي، فَوَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا سَعْدٌ: يَا حُرَقَةُ! مَا كَانَ شَأْنُكُمْ؟ فَقَالَتْ: كُنَّا مُلُوكَ هَذَا الْمِصْرِ قَبْلَكَ، يُجْبَى إِلَيْنَا خَرَاجُهُ، وَيُطِيعُنَا أَهْلُهُ مُدَّةً مِنَ الْمُدَدِ؛ حَتَّى صَاحَ بِنَا صَائِحُ الدَّهْرِ، فَشَتَّتَ مَلَأَنَا، وَالدَّهْرُ ذُو نَوَائِبَ وَصُرُوفٍ، فَلَوْ رَأَيْتُنَا في أيامنا؛ لأرعدت فرائصك فَرَقًا مِنَّا. فَقَالَ لَهَا سَعْدٌ: فَمَا أَنْعَمَ مَا تَنَعَّمْتُمْ بِهِ؟ فَقَالَتْ: سَعَةُ الدُّنْيَا، وَكَثْرَةُ الأَصْوَاتِ إِذَا دَعُونَا. ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ:
(وَبَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ وَالأَمْرُ أَمْرُنَا ... إِذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ لَيْسَ نُنْصَفُ)
(فَتَبًّا لِدُنْيَا لا يَدُومُ نَعِيمُهَا ... تُقَلَّبُ تَارَاتٍ بِنَا وَتُصَرَّفُ)
يَا سَعْدُ! إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَهْلُ بَيْتٍ بِحِبْرَةٍ إِلا وَالدَّهْرُ يُعْقِبُهُمْ عَبْرَةً؛ حَتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللهِ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ بِمَا أَحَبَّ. وَعِنْدَ سَعْدٍ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ الزُّبَيْدِيُّ، فَقَالَ سَعْدٌ لِعَمْرٍو: احْفَظْ هَذَا الْكَلامَ حَتَّى تَأْتِيَ عُمَرَ غَدًا إِذَا قَدِمْتَ عَلَيْهِ. فَقَضَى سَعْدٌ حَاجَتَهَا وَأَكْرَمَهَا، وَأَمَرَ بِرَدِّهَا إِلَى مَوْضِعِهَا، فَلَمَّا أَرَادَتِ الْقِيَامَ؛ قَالَتْ لَهُ: يَا سَعْدُ! لا جَعَلَ اللهُ لَكَ إِلَى لَئِيمٍ حَاجَةً، وَلا أَزَالَ عَنْ كَرِيمٍ نِعْمَةً، وَلا نَزَعَ عَنَ عَبْدٍ صَالِحٍ نِعْمَةً؛ إِلا جَعَلَ لَكَ سَبِيلًا إِلَى رَدِّهَا عَلَيْهِ. قَالَ: فَقَدِمَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَحَدَّثَهُ مَا حَضَرَ مِنْ حُرَقَةَ. قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ مِنْ كَلامِهَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَهْلُ بَيْتٍ بِحِبْرَةٍ إِلا وَالدَّهْرُ مُعْقِبُهُمْ عَبْرَةً؛ قَالَ: فَبَكَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute