أخبرنا الشيخ أبو القاسم هبة الله بن علي بن سعود البوصيري وأبو عبد الله محمد بن حمد بن حامد الأرتاحي إذناً؛ قالا: أنا الشيخ أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء الموصلي، قال البوصيري: قراءةً عليه وأنا أسمع، وقال ابن محمد: إجازة؛ قال: أخبرنا الشيخ أبو القاسم عبد العزيز بن الحسن بن إسماعيل بن الضراب الغساني سنة ست وخمسين وأربع مئة؛ قال: أنا أبي أبو محمد الحسن بن إسماعيل بن محمد بن مروان بن الغمر الغساني الضراب قراءة عليه في منزله؛ قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن مروان بن محمد بن مالك الدينوري المالكي القاضي قراءةً عليه وأنا أسمع سنة إحدى وثلاثين وثلاث مئة؛ قال: ⦗٢٨٢⦘ الحمد لله الذي علا بكل مكرمة، وبان بكل فضيلة، وبطن بخفيات الأمور، ودلت عليه أعلام الظهور، واستتر بلطفه عن عين البصير؛ فلا نفس من لا تراه تنكره، ولا عين من أثبتته تبصره، بسق في العلو؛ فلا شيء أعلا منه، وسقب في الدنو؛ فلا شيء أقربُ منه، ولا استعلاءه باعده من خلقه، ولا قربهُ ساواهم في المكان معه، لم تطلع العقول على تحديد صفته، ولم يحجبها عن كنه معرفته، لا يعزبُ عنه شيء، ولا تحجب عنه دعوة؛ ولا تَخيب لديه طلبة، ولا يضل عنده سعيُ الذي رضي عن عظيم النِّعم بقليل الشكر، وغفر بعقد الندم كثير الذنوب، ومحا بتوبة الساعة خطايا الزمان والدهور؛ فتعالى الله عما يقول الجاحدون له والملحدون في توحيده علوّاً كبيراً، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد؛ نحمده، ونستعينه، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله؛ البشير، النذير، السراج المنير، المنتخب في علم الغيوب، والمصطفى في اللوح المحفوظ وعلم ما جرت به المقادير؛ فإنه المباعد من الرجس بالتطهير، مع سؤدد البشر وطيب المختبر وشرف المعشر من أهل المعشر؛ حتى بدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خير قريش بطناً، وأنضرها عوداً، وأطولها باعاً، وأسفرها قناعاً، وأثبتها في مُرتقى الخير سلماً، هادياً إلى رضاه، وداعياً إلى محابِّه، ودالاً على سبيل جنته، فتح لنا باب رحمته، وأغلق عنا باب سخطه، وبلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله عز وجل حتى أتاه اليقين؛ فصلوات الله عليه ورحمته وبركاته وعلى آله، وسلم كثيراً أبداً ما طمى بحرٌ وذرَّ ريح، وعلى ⦗٢٨٣⦘ جميع النبيين والمرسلين. أما بعد: فإن الله تبارك وتعالى في كل نعمة أنعم بها حقاً على عباده يجب عليهم الشكر له؛ فنسأل الله أن يجعلنا لنعمه شاكرين، وبأحسنه آخذين، وأن ينفعنا بالعلم؛ فإن خير العلوم أنفعُها، وأنفعُها أحمدُها مَغَبَّة، وأحمدها مَغَبَّة ما تُعُلِّم وعُلِّمَ لله تبارك وتعالى وأريد به وجهه، ونحن نسأل الله أن يجعلنا بما علمنا عاملين، وبأحسنه آخذين، ولوجهه الكريم بما يستفيد ويفيد وبحسن بلائه عندنا وبشكره آناء الليل والنهار عارفين، إنه أقربُ المدعوين، وأفضلُ المعطين، وأجودُ المسؤولين. وإني تكلَّفت بهذا الكتاب وجمعت فيه علوماً كثيرة؛ من التفسير ومعاني القرآن، وفي عظمة الله جلّ وعزّ، ومن حديث الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحديث الصحابة وأخبارهم؛ رحمة الله عليهم أجمعين، ومن حديث أخبار التابعين والزهاد والعلماء والحكماء والشعر والنوادر وأخبار العرب وأيامها وأخبار الفرس وغير ذلك من فنون العلم، ولم أدع شيئاً يحتاج إليه العالم والمتعلم ويجري ذكره في مجالسهم؛ إلا وقد ذكرت في كتابي هذا منه طرفاً، وجعلته مختصراً كيلا يثقل على من كتبه، ويكون ذلك سهلاً على من نظر فيه وحفظه. ونسأل الله عز وجل التجاوز عن الزَّلَّة، وحسن التوفيق لما يحب؛ إنه خير مسؤول، وأفضل مأمول.