للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٠٨٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ الْمَدَائِنِيِّ (ح) . وَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ؛ قَالَ: أَخْبَرُونَا عَنِ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الثَّقَفِيِّ؛ قَالَ: ⦗١٩٢⦘ لَمَّا مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ جَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا، فَقَالَ: إِذَا غَسَّلْتُمُوهُ؛ فَآذِنُونِي. فَأَعْلَمُوهُ بِهِ، فَدَخَلَ الْبَيْتَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ:

(الآنَ لَمَّا كُنْتَ أَكْمَلَ مَنْ مَشَى ... وَافْتَرَّ نَابُكَ عَنْ شَبَابِ الْقَارِحِ)

(وَتَكَامَلَتْ فِيكَ الْمُرُوءَةُ كُلُّهَا ... وَأَعَنْتَ ذَلِكَ بِالْفِعَالِ الصَّالِحِ)

فَقِيلَ لَهُ: اتَّقِ اللهَ وَاسْتَرْجِعْ! فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَقَرَأَ: (الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦)) [البقرة: ١٥٦] الآية. قَالَ: وَأَتَاهُ مَوْتُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ وَكَانَ بَيْنَهُمَا جُمْعَةٌ، فَقَالَ:

(حَسْبِي حَيَاةُ اللهِ مِنْ كُلِّ مَيِّتٍ ... وَحَسْبِي بَقَاءُ اللهِ مِنْ كُلِّ هَالِكِ)

(إِذَا مَا لَقِيتُ اللهَ رَبِّي مُسْلِمًا ... فَإِنَّ نَجَاةَ النَّفْسِ فِيمَا هُنَالِكَ)

وَجَلَسَ لِلْمُعَزِّينَ يُعَزُّونَهُ، وَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِرْآةً، وَوَلَّى النَّاسَ ظَهْرَهُ، وَقَعَدَ فِي مَجْلِسِهِ؛ فَكَانَ يَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ، فَدَخَلَ الْفَرَزْدَقُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى فِعْلِ الْحَجَّاجِ تَبَسَّمَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْحَجَّاجُ مِنْهُ؛ فَقَالَ: أَتَضْحَكُ وَقَدْ هَلَكَ الْمُحَمَّدَانِ؟ ! فَأَنْشَأَ الْفَرَزْدَقُ يَقُولُ:

(لَئِنْ جَزِعَ الْحَجَّاجُ مَا مِنْ مُصِيبَةٍ ... تَكُونُ لِمَحْزُونٍ أَجَلَّ وَأَوْجَعَا)

(مِنَ الْمُصْطَفَى وَالْمُصْطَفَى مِنْ خِيَارِهِمْ ... جَنَاحَيْهِ لَمَّا فَارَقَاهُ فَوَدَّعَا)

(أَخٌ كَانَ أَغْنَى أيْمَنَ الأَرْضِ كُلِّهَا ... وَأَغْنَى ابْنُهُ أَمْرَ الْعِرَاقَيْنِ أَجْمَعَا)

(جَنَاحَا عُقَابٍ فَارَقَاهُ كِلاهُمَا ... وَلَوْ قُطِعَا مِنْ غَيْرِهِ لَتَضَعْضَعَا ⦗١٩٣⦘)

(سَمِيَّا نَبِيِّ اللهِ سَمَّاهُمَا بِهِ ... أَبٌ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ النَّوَائِبِ أَخْضَعَا)

وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ أَيْضًا:

(إِنَّ الرَّزِيَّةَ لا رَزِيَّةَ مِثْلَهَا ... فُقْدَانُ مِثْلِ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدِ)

(مَلِكَانِ قَدْ خَلَتِ الْمَنَابِرُ مِنْهُمَا ... أَخَذَ الْمَنُونُ عَلَيْهِمَا بِالْمَرْصَدِ)

وَكَتَبَ إِلَيْهِ الْوَلِيدُ يُعَزِّيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ وَيَحُثُّهُ عَلَى الصَّبْرِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: كَتَبَ إِلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُعَزِّينِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، وَيَذْكُرُ رِضَاهُ عَنْهُ، وَيَأْمُرُنِي بِالصَّبْرِ، وَكَيْفَ لا أَصْبِرُ وَقَدْ أَبْقَى اللهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِي؟ !

<<  <  ج: ص:  >  >>