للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسمعته يَقُول سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول: سمعت أبا عَلِيّ الروذباري يَقُول: إِذَا قَالَ الصوفي بَعْد خمسة أَيَّام أنا جائع فألزموه السوق ومروه بالكسب.

واعلم أَن أصل المجاهدة وملاكها فطم النفس عَنِ المألوفات وحملها عَلَى خلاف هواها فِي عموم الأوقات وللنفس صفتان مانعتان لَهَا من الخير انهماك فِي الشهوات وامتناع عَنِ الطاعات فَإِذَا جمحت عِنْدَ ركوب الهوى وجب كبحها بلجام التقوى وإذا حرنت عِنْدَ القيام بالموافقات يجب سوقها عَلَى خلاف الهوى وإذا ثارت عِنْدَ غضبها فمن الواجب مراعاة حالها فَمَا من منازلة أَحْسَن عاقبة من غضب يكسر سلطانه بخلق حسن وتخمد نيرانه برفق فَإِذَا استحلت شراب الرعونة فضاقت إلا عَن إظهار مناقبها والتزين لمن ينظر إِلَيْهَا ويلاحظها فمن الواجب كسر ذَلِكَ عَلَيْهَا وإحلالها بعقوبة الذل بِمَا يذكرها من حقارة قدرها وخساسة أصلها وقذارة فعلها وجهد العوام فِي توفية الأعمال وقصد الخواص عَلَى تصفية الأحوال فَإِن مقاساة الجوع والسهر سهل يسير ومعالجة الأخلاق والتقت عَن سفاسفها صعب شديد ومن غوامض آفات النفس ركونها إِلَى استحلاء المدح فَإِن من تحسى منه جرعة حمل السموات والأرضين عَلَى شفره من أشفاره وأمارة ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا انقطع عَنْهُ ذَلِكَ الشرب آل حاله إِلَى الكسل والفشل.

كَانَ بَعْض المشايخ يصلى فِي مسجده فِي الصف الأَوَّل سنين كثيرة فعاقه يوما عَنِ الابتكار إِلَى الْمَسْجِد عائق فصلى فِي الصف الأخير فلم ير مدة فسئل عَنِ السبب فَقَالَ: كنت أقضى صلاة كَذَا وكذا سنة صليتها وعندي أنى مخلص فِيهَا لِلَّهِ فداخلني يَوْم تأخري عَنِ الْمَسْجِد من شهود النَّاس إياي فِي الصف الأخير نوع خجل فعلمت أَن نشاطي طول عمرى إِنَّمَا كَانَ عَلَى رؤيتهم فقضيت صلواتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>