مسارة الأصم وواضع النعمة عِنْدَ من لا يشكر والباذر فِي السبخة والمسرج فِي الشَّمْس وقيل: لما بشر إدريس عَلَيْهِ السَّلام بالمغفرة سأل الحياة فقيل لَهُ فِيهِ فَقَالَ: لأشكره فإني كنت أعمل قبله للمغفرة فبسط الْمَلِك جناحه وحمله إِلَى السماء.
وقيل: مر بَعْض الأنبياء عَلَيْهِم السَّلام بحجر صَغِير يخرج منه الماء الكثير فتعجب منه فأنطقه اللَّه تَعَالَى مَعَهُ فَقَالَ: مذ سمعت اللَّه تَعَالَى يَقُول: {نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم: ٦] أنا أبكى من خوفه قَالَ فدعا ذَلِكَ النَّبِي أَن يجير اللَّه ذَلِكَ الحجر فأوحى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ: إني أجرته من النار فمر ذَلِكَ النَّبِي فلما عاد وجد الماء يتفجر منه مثل ذَلِكَ فعجب فأنطق اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ الحجر مَعَهُ فَقَالَ: لَمْ تبكى وَقَدْ غفر اللَّه تَعَالَى لَك فَقَالَ: ذَلِكَ كَانَ بكاء الحزن والخوف وَهَذَا بكاء الشكر والسرور.
وقيل: الشاكر مَعَ المزيد لأنه فِي شهود النعمة قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم: ٧] والصابر مَعَ اللَّه تَعَالَى لأنه بشهود المبتلى قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة: ١٥٣] وقيل: قدم وفد على عمر بْن عَبْد الْعَزِيز وَكَانَ فيهم شاب فأخذ يخطب فَقَالَ عُمَر: الكبر الكبر فَقَالَ الشاب: يا أمير الْمُؤْمِنيِنَ لو كَانَ الأمر بالسن لكان فِي الْمُسْلِمِينَ من هُوَ أسن منك فَقَالَ: تكلم فَقَالَ: لسنا وفد الرغبة ولا وفد الرهبة.
أما الرغبة فَقَدْ أوصلها إلينا فضلك.
وَأَمَّا الرهبة فَقَدْ أمننا منها عدلك فَقَالَ: فمن أنتم؟ فَقَالَ: وفد الشكر جئناك نشكرك وننصرف، وأنشدوا:
ومن الرزية أَن شكري صامت ... عما فعلت وأن برك ناطق