للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

"ذلك اللفظ الخطر" بلفظ "اللامحدود" indefini وهو في هذا لم يفعل أكثر من اتباع ذهنه في ميله الطبيعي, لقد كان يشعر بأن ذهنه متناهٍ. فكل تأكيد سواء كانت الأشياء لامتناهية أو لم تكن، يجعل الذهن متساويا للانهائية الله، وذلك ادعاء باطل. على أن ذلك الموقف المتحوط الحذر كان يلائم أخلاق ديكارت, فهو يتجنب الفصل في ذلك الموضوع الخطر، موضوع لاتناهي العالم، ولا يرد بشأنه على رجال الدين, بل إنه يتفادى كل سؤال مقحم محرج من جانبهم، وبهذا يستبعد الصعوبات العملية التي قد تنجم عن اعتبار العلل الغائبة "مادة ٢٠، ٤٠, ٤١". إن ذهننا لا يستطيع في تبجح سخيف أن يدعي المقدرة على النفاذ إلى مقاصد الله، وهو يستبعد أيضا كل صعوبة لاهوتية تنتج من سبق التدبير الإلهي، ذلك السابق المتناهي، فيما يظهر، مع الحرية الإنسانية. ولقد نبهه جاسندي إلى ذلك الأمر، ولقد عاد ديكارت إليه في كتاب المبادئ وإن كان قد تعرض لبيان وجهة نظره فيه من قبل.

وربما جاز لنا أيضا أن نعزو إلى حيطة ديكارت منحه التعاليم المدرسية قسطا كبيرا من العناية في الجزء الأول من المبادئ. فهو يعالج مشكلة "الليات" ويعيد الكلام في "التقسيمات الحقيقية والصورية والعرضية"١ التي كان قد تعرض لها من قبل في نهاية رده على كاتيروس٢. وكان ديكارت قد أراد أن يبسط فلسفة تعطي الجواب الشافي عن كل مسألة, من أجل ذلك لا نراه يرفض المسائل التي كانت لها منزلة الشرف عند المدرسيين، بل يعالجها على طريقة ما, مبينا أن فلسفته تستطيع أيضا أن تحملها, إذ إن فلسفة جديدة لا تحل محل الفلسفة التي تريد تقويضها إلا إذا استخدمت أنقاضها كمولد وأدوات لمبانيها الخاصة.


١ المبادئ, مواد ٥١ إلى ٦٥.
٢ مؤلفات ديكارت، طبع آدم وتانري م ٨، ص٢٤-٣٢.

<<  <   >  >>