للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لم يكن تاريخ الفلسفة في القرن السابع عشر علما وكانت فكرة الناس عن مذاهب القدماء من أبسط الفكرات، إلا أنها صحيحة مضبوطة. ويقسم ديكارت قدماء الفلاسفة شيعتين: الذين يشكون وليسوا بأقل الناس حكمة، والذين يدعون من غير حق أنهم على يقين؛ وعلى هذا النحو يقسم "بسكال" الناس إلى شكاك وقطعيين١.

لم يقتصر ديكارت على أن جعل من الطائفة الأولى الأكاديميين, بل يجعل منهم أيضا أسلاف الأكاديميين حتى أفلاطون وسقراط نفسه. وهو يمتدحهم؛ لأنهم أقروا بسذاجة أنهم ما عرفوا حقا, بل شبيها بالحق، ولا ننسى النصيب الذي جعله ديكارت لهذا المذهب في فلسفته, إذ هو يفتتحها بالشك. وديكارت يؤيد أولا قضية الشك في ظاهر الأمر, ولكنه سرعان ما يرجع ويفارقهم فرقة نهائية لكن الفلاسفة الآخرين أقل صراحة من الشكاك في نظر ديكارت. هم يعلنون أنهم مالكون للحق، ويرون حقا مبادئ ليست كذلك ولعل ديكارت يقصد هنا أرسطو مع أنصاره المحدثين وديمقريطس. وديكارت منصف لتلك الفلسفة الثانية، فإن المبادئ التي يتخذها هو كالامتداد والشكل والحركة توجد من قبل عند ديمقريطس وعند أرسطو نفسه، ولكنها مخلوطة بفروض أخرى تفسد حقيقتها، ويستخلصها ديكارت من تلك اللوثة المنكودة ويجلي ما لتلك المبادئ من بداهة.

وعلى هذا النحو يستعمل فيلسوفنا من المذاهب القديمة القسم القطعي والقسم الارتيابي, ويدخلهما في مذهبه فيعطيهما بطابع جديد. ذلك أننا نجد ديكارت يأخذ أسباب الشك فيبررها هذه المرة ويحملها إلى القمة، ولكن ينتهي الأمر بأن تتعارض تلك الأسباب من نفسها. ومن جهة أخرى نجد أسباب القسمين تكتسب قوة لم تكن لها قط من قبل. من أجل هذا, تجيب فلسفة ديكات عن التعريف


١ "حديث بسكال مع مسيو دوساسي".

<<  <   >  >>