جميع الاستدلالات التي أقاموها على مثل تلك المبادئ لم تستطع أن تؤديهم إلى المعرفة اليقينية لشيء واحد، ولم تستطع بالتالي أن تجعلهم يقدمون خطوة واحدة في البحث عن الحكمة. وإذا كانوا قد وجدوا أية حقيقة, فمرجع ذلك إلى بعض الطرق الأربعة المشار إليها فيما تقدم. وعلى الرغم من هذا لا أريد أن أنتقص شيئا مما قد يدعيه كل واحد منهم لنفسه من فضل، لكني مضطر إلى أن أقول تهدئة لخواطر من لم ينصرفوا إلى الدرس: إن مثلنا كمثل المسافر، إذا أدار ظهره إلى المكان الذي يبتغي الذهاب إليه نأى عنه بقدر مضيه في الاتجاه الجديد زمانا أطول وبسرعة أشد، بحيث إنه لو عاد بعد ذلك إلى الطريق السوي لم يستطع أن يدرك المكان المقصود في نفس الوقت الذي كان يدركه فيه لو أنه لم يشرع في السير إطلاقا. وكذلك شأن الفلسفة، إذا اصطنعنا فيها مبادئ فاسدة كان ابتعادنا عن معرفة الحقيقة ومعرفة الحكمة بمقدار ما نبذل من عناية في تعهدهما, وما ننفق من جهد في استخلاص مختلف النتائج منهما، ونحن نظن أننا نحسن التفلسف، مع أننا نكون قد أمعنا في الابتعاد عن الحق. ويتعين أن نستخلص من هذا أن أولئك الذين تعلموا أقل قدر من كل ما خصّ حتى الآن باسم الفلسفة, هم أقدر الناس على إدراك الفلسفة الحقة.
وأود, بعد إيضاح هذه الأمور، أن أورد هنا الأدلة اللازمة لإثبات أن المبادئ التي تعيننا على الوصول إلى مراتب الحكمة هذه -وهو قوام الخير الأسمى في الحياة الإنسانية- هي المبادئ التي وضعتها في هذا الكتاب.
وحسبنا لإثبات ذلك دليلان اثنان: الأول: أن هذه المبادئ واضحة جدا. والثاني: أن باستطاعتنا أن نستنبط منها جميع الحقائق الأخرى؛ لأن هذين الشرطين وحدهما هما المطلوبان في المبادئ. ومن الميسور لي أن أثبت أنها