ولكن على الرغم من أن جميع الحقائق التي أضعها بين مبادئ قد عرفها الناس جميعا في جميع الأزمان, غير أني لا أعلم أن أحدا حتى الآن قد تبين أنها مبادئ الفلسفة, أي: إن من شأنها أن تستخلص منها المعرفة بجميع الأشياء التي في العالم؛ ولذلك يبقى على ما منا أن أثبت أن هذا هو شأنها. ويبدو لي أن أفضل سبيل أستطيع به أن أثبت ذلك هو أن أبينه بالتجربة، أي: أن أدعو القراء إلى قراءة هذا الكتاب١؛ لأني وإن لم أكن قد تناولت فيه جميع الأشياء لاستحالة هذا الأمر، فإني أحسب أني قد خسرت جميع الأشياء التي عرضت لها في مواضعها، بحيث إن من يقرءونه بشيء من الانتباه سيكون لديهم ما يدعوهم إلى الاعتقاد بأنه لا حاجة إلى التماس مبادئ أخرى غير ما قررت للوصول إلى أرفع معرفة أتيح للذهن الإنساني أن يبلغها. فإذا قرءوا مؤلفاتي أولا وحرصوا على ملاحظة تفسيرها للمسائل المختلفة، وإذا تصفحوا أيضا مؤلفات غيري، لرأوا قلة ما أدلوا فيها من الأدلة المقبولة لتفسير تلك المسائل نفسها بمبادئ مخالفة لمبادئي. وأود أن أقول لهم، كيما يتيسر لهم القيام بما أدعوهم إليه: إن أولئك الذين ألفوا آرائي يلقون في فهم مؤلفات غيري وفي معرفة قيمتها الحقيقية عناء أقل بكثير مما يلقاه من لم يألفوا تلك الآراء، وهذا عكس ما قلت منذ قليل عمن بدءوا بدراسة الفلسفة القديمة، من أنهم كلما زاد اشتغالهم بها قل في الغالب استعدادهم لتعلم الفلسفة الحقة.
وأود أن أضيف كلمة عن رأيي في الطريقة التي أنصح بها في قراءة هذا الكتاب، وهي أني أود للقارئ أن يتصفحه كله أولا كما يتصفح رواية دون أن
١ تتبين المبادئ الأولى بعلامتين: أن تكون واضحة جدا، وأن يكون من الممكن أن نستخلص منها جميع الأشياء الأخرى. ولقد أراد ديكارت حين كتب "مبادئ الفلسفة" أن يبين بالتجربة أن مبادئ فلسفته قد استوفت الشرط الثاني، إذ إن المبادئ في الواقع تفسير عام للأشياء بواسطة المبادئ الأولى.