للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عادة إلى نطاق يجاوز الموضوعات التي نعرفها بوضوح وتميز، فإذا تمادينا بها إلى هذا الحد لم يكن عجيبا أن نقع في ضلال١.

٣٦- في أن أخطاءنا لا يصح نسبتها إلى الله:

ولكن مع أن الله لم يهبنا ذهنا محيطا بكل شيء، فلا ينبغي لنا من أجل ذلك أن نعده مسئولا عن أخطائنا؛ لأن كل ذهن مخلوق متناهٍ، ومن طبيعة الذهن المتناهي أن لا يكون تام المعرفة.

٣٧- في أن أعلى مراتب الكمال عند الإنسان هو أنه حر الاختيار، وهو الأمر الذي يجعله خليقا بالمدح والذم:

أما الإرادة فلما كانت بطبيعتها رحيبة جدا٢، فقد فزنا عن طريقها بميزة عظيمة, وهي أن نتصرف بحرية بحيث نكون مستقلين بأفعالنا استقلالا يجعلنا


١ انظرالتأمل الرابع حيث يقول: "اتضح لي من هذا كله أن ما أقع فيه من خطأ ليس ناشئا من قوة الإرادة ذاتها التي أنعم الله بها علي؛ لأنها رحيبة جدا وكاملة جدا في نوعها، ولا من قوة التعقل أو التصور؛ لأني كما قلت لا أتصور شيئا إلا بواسطة هذه القوة التي منحني الله إياها لهذا الغرض, فكل ما أتصوره إنما أتصوره بلا شك كما ينبغي، ولا يمكن أن أكون في هذا ضالا أو مخدوعا، وإذن فما منشأ الخطأ عندي؟ إنه ينشأ من أن الإرادة أوسع من الفهم نطاقا، فلا أبقيها حبيسة في حدوده، بل أبسطها أيضا على الأشياء التي لا يحيط بها فهمي. ولما كانت الإرادة من شأنها أن لا تبالي، فمن أيسر الأمور أن تضل، وتختار الزلل بدلا من الصواب، والشر عوضا عن الخير، مما يوقعني في الخطأ والإثم" "التأملات, ترجمتنا العربية، ص١٣٥, ١٣٦".
٢ يقول ديكارت في التأمل الرابع: "ولا يصح كذلك أن أشكو بأن الله لم يهبني حرية اختيار أو إرادة ذات حظ كافٍ من الرحابة والكمال, فالواقع أن تجارب وجداني تشهد بأن لي إرادة ضافية مترامية لا تحصرها حدود ولا تحبسها قيود. ومما يبدو لي هنا جديرا بالملاحظة أنهما من قوة أخرى من قوى نفسي مهما تبلغ من كمال وعظمة، إلا وأتبين أنه كان من الممكن أن تكون أكمل وأعظم مما هي. فإذا نظرت مثلا إلى ما لدي من قوة التصور وجدت أن نطاقها ضيق محدود جدا، وتمثلت في الوقت نفسه فكرة أخرى أوسع منها كثيرًا بل غير متناهية ولا محدودة. وكوني أرى أنه بمقدوري أن أتمثل هذه الفكرة يجعلني أتبين في غير عناء أنها صفة من الصفات التي اختصت بها الذات الإلهية, طبيعة الله. أما الإرادة أو حرية الاختيار فقد خبرتها في نفسي فوجدتها كبيرة للغاية، بحيث لا أتصور غيرها أوسع وأرحب منها. ولما كانت إرادتي بمثل هذه القوة فهي على وجه الخصوص الأمر الذي يجعلني أحكم أنني على صورة الله ومثاله" "التأملات، ترجمتنا العربية ص١٣٣, ١٣٤".

<<  <   >  >>