جديرين بالثناء إذا أحسنا التصرف، فكما أن المرء حين يرى الماكينات تتحرك على صور كثيرة مختلفة وتدور على أفضل ما يمكن من الدوران، لا يوجه إليها الثناء؛ لأنها إنما تقوم بهذه الحركات عن طريق ما وضع فيها من لوالب، في حين يوجه الثناء إلى الصانع الذي صنع هذه الماكينات لما لديه من قدرة وإرادة استطاع بهما أن يبرع في تركيبها، كذلك شأننا إذا اخترنا ما هو حق بعد تمييزه من الباطل بفعل إرادتنا نكون أكثر استحقاقا للثناء مما لو كنا مجبرين ومرغمين على التصرف، ومتأثرين بمبدأ غريب عنا.
٣٨- في أن أخطاءنا هي عيوب في تصرفنا لا في طبيعتنا، وأن أخطاء الناس يمكن في أكثر الأحيان أن تنسب إلى الفاعلين الآخرين لا إلى الله:
إن من أحق الأمور أننا كلما أخطأنا يكون هناك عيب في تصرفنا أو في استعمال حريتنا. ولكن هذا لا يعني أن هناك عيبا في طبيعتنا؛ لأنها هي بعينها دائما سواء كانت أحكامنا صحيحة أو فاسدة١. وإذا كان في مقدور
١ انظر التأمل الرابع حيث يقول صاحبه: "وفي هذا الاستعمال السيئ لحرية الاختيار يقع الحرمان الذي هو قوام صورة الخطأ. أقول: إن الحرمان يقع في الفعل من حيث إنه صادر مني, ولكنه غير موجود في القوة التي أنعم الله بها علي، ولا في الفعل من حيث إنه يتوقف عليه فلا ريب أنه ليس لدي من داعٍ للشكوى من أن الله لم يهبني ذكاء أوفى أو نورا فطريا أكمل مما وهبني ما دام من طبيعة الذهن المتناهي أن لا يكون محيطا بأشياء كثيرة، ومن طبيعة الذهن المخلوق أن يكون متناهيا ولكن الخليق بي من كل وجه أن أشكره تعالى على نعمائه؛ إذ رزقني كل ما اتصفت به من كمالات يسيرة دون أن يكون لي عليه فضل. وينبغي أن أباعد بين نفسي وبين أن أتوهم أنه ظلمني، فانتزع مني أو منع عني الكمالات الأخرى التي لم ينعم بها علي" "التأملات, ترجمتنا العربية ص١٣٧-١٣٩".