الله أن يهبنا معرفة واسعة تبعد بنا عن الوقوع في الخطأ، إلا أنه لا حق لنا أن نشكو منه لذلك؛ لأنه سبحانه ذو سلطان على الكون مطلق حر، فلا يسأل عما يفعل، بخلاف البشر إذ جعل لبعضهم سلطانا على من دونهم لمنعوهم من فعل الشر، فمن استطاع منهم أن يعرف الشر ولم يمنعه كان ملوما ومشاركا في الإثم؛ ولذلك ينبغي أن نحمد الله على ما أنعم به علينا، وينبغي أن لا نشكو من أنه لم يعطنا ما ينقصنا، وكان في قدرته أن يهبه لنا.
٣٩- في أن حرية إرادتنا لا تعرف بالدليل، وإنما تعرف بتجربتنا لها:
وبديهي أن لنا إرادة حرة توافق أو لا توافق كما يحلو لها، وهذا يمكن أن يعد من أكثر المعاني المفطورة شيوعا. وقد رأينا فيما تقدم دليلا على ذلك واضحا جدا؛ لأننا حين كنا نشك في كل شيء بل حين ذهبنا إلى افتراض أن خالقنا استعمل قدرته لإضلالنا من جميع الوجوه، أدركنا في أنفسنا من حرية بلغ في عظمها أن استطعنا أن نمنع أنفسنا من الاعتقاد بما لم نكن نعرفه بعد معرفة كاملة١. غير أن ما أدركناه إدراكا متميزا ولم نكن نستطيع أن نشك فيه إبان تعليقنا للحكم حينذاك، كان يقينه مساويا ليقين أي شيء آخر تيسر لنا أن نعرفه من قبل.
٤٠- في أننا نعلم أيضا بعلم يقيني جدا أن الله قدّر الأشياء جميعا تقديرا سابقا على حصولها:
ولكن بما أن ما قد علمناه عن الله من قبل يؤكد لنا أن قدرته قد بلغت من العظمة مبلغا يجعلنا من الآثمين لو خطر لنا أنه كان بمقدورنا أن نعمل شيئا لم
١ يقول ديكارت في بعض رسائله: "إنك محق في قولك: إننا واثقون من حرية اختيارنا وثوقنا من أي معنى فطري شائع. فإن هذا المعنى واحد منها حقا".