طبيعة ما يظنه موضع الألم الذي يحسبه شبيها بالألم الذي هو في فكره، مع أنه في الواقع لا يدرك بوضوح إلا الشعور أو الفكر المبهم الموجود في نفسه١. فالمعرفة يمكن أن تكون أحيانا واضحة دون أن تكون متميزة, ولكنها لا يمكن إطلاقا أن تكون متميزة دون أن تكون بهذا واضحة.
٤٧- في أننا لكي نطرح الأوهام والأحكام المبتسرة التي كسبناها في طفولتنا يجب أن ننظر في كل فكرة من أفكارنا الأولى؛ لنتبين ما هو واضح منها:
في أيام طفولتنا رانت على عقولنا من الجسم غشاوة، فلم تكن تعرف شيئا معرفة متميزة وإن كانت تدرك أشياء كثيرة إدراكا فيه بعض الوضوح، ولكن من حيث إننا حتى في ذلك الحين لم نكن نخلو من أن نفكر في الأمور التي كانت تعرض لنا ونحكم عليها أحكاما يشوبها التهور، فقد ملأنا ذاكرتنا بأوهام وأحكام مبتسرة كثيرة ربما لم نحاول أبدا أن نتخلص منها، وإن يكن من المستيقن جدا أننا لا نستطيع أن نمحصها بغير العقل تمحيصا دقيقا. ولكن لكي يتيسر لنا الآن أن نتخلص منها دون عناء كبير، سأعدد هنا جميع المعاني البسيطة التي تتألف منها خواطرنا، وسأميز كل ما هو واضح واحد منها, وما هو غامض أو ما يمكن أن نخطئ فيه.
٤٨- في أن كل موضوعات معرفتنا ننظر إليها إما على أنها أشياء أو حقائق؛ إحصاء الأشياء:
أميز في كل ما تتناوله معرفتنا ضربين: الأول يحتوي على جميع الأشياء التي ليست شيئا خارج فكرنا، أما الضرب الأول فيتناول المعاني العامة التي تنطبق على جميع أنواع الأشياء كالمعاني التي لدينا عن الجوهر، والمدة
١ "المبهم" يقابل "المتميز" ولا يقابل "الواضح", فقد ندرك بوضوح فكرا مبهما.