والترتيب، والعدد، وربما أيضا بعض معانٍ أخرى. ثم لدينا أيضا معانٍ أخص تصلح للتمييز بينها، والتمييز الأكبر الذي ألحظه بين جميع الأشياء المخلوقة هو أن بعضها عقلية، أي: جواهر عاقلة، أو خواص لهذه الجواهر، والأخرى جسمانية أي: هي أجسام أو خواص للجسم. ولذلك فالذهن والإرادة هي من شأن الجوهر المفكر، والعظم أو الامتداد طولا وعرضا وعمقا، والشكل والحركة ووضع الأجزاء وما لها من استعداد للانقسام وغير هذه الخواص متعلقة بالجسم. وفضلا عن ذلك هناك أشياء نبلوها في أنفسنا ولا يمكن أن تنسب إلى النفس وحدها ولا إلى الجسم وحده, بل إلى الاتحاد الوثيق بينهما على نحو ما سأشرحه بعد قليل. ومن قبيل هذه الأشياء شبهة الشرب والأكل ... إلخ، وكذلك انفعالات النفس وخوالجها التي لا تعتمد على الفكر وحده، مثل الانفعال عند الغضب والابتهاج والحزن والحب ... إلخ، وكذلك المشاعر كالألم والدغدغة والضوء والألوان والأصوات والروائح والطعوم والحرارة والصلابة وجميع الصفات التي لا تقع تحت حاسة اللمس.
٤٩- في أن الحقائق لا يمكن تعدادها، وأنه لا حاجة إلى ذلك:
لقد أحصيت كل ما نعرفه من قبيل الأشياء، وقد بقي علي أن أتحدث عما نعرفه من قبيل الحقائق. فمثلا حين نرى أنه لا يمكن إيجاد شيء من العدم لا نعتقد أن هذه القضية شيء له وجود في الخارج أو خاصية لشيء، ولكننا نأخذها حقيقة أبدية قائمة في فكرنا، ونسميها معنى شائعا بين الناس أو مبدأ بديهيا.
وإذا قلنا: إن من المحال أن يكون الشيء ولا يكون في وقت واحد، وأن ما كان لا يمكن ألا يكون قد كان، وأن من يفكر لا يمكن أن يخلو من الوجود حين يفكر، وقضايا أخرى كثيرة من هذا القبيل، وكانت هذه حقائق فحسب وليست أشياء موجودة خارج فكرنا، وقد بلغت هذه الحقائق حدا جعل من العسير تعدادها,