للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

٥١- في ماهية الجوهر، وفي أنه اسم لا يمكن نسبته إلى الله وإلى المخلوقات بمعنى واحد:

أما الأشياء التي نرى لها شيئا من الوجود فنحتاج إلى بحثها ههنا واحدا بعد الآخر؛ لكي نميز ما هو غامض مما هو بديهي في الفكرة التي لدينا عن كل منها. إننا حين نتصور الجوهر إنما نتصوره موجودا غير مفتقر إلا إلى ذاته في وجوده، وقد يكون في تفسير قولنا: "غير مفتقر إلا إلى ذاته" بعض الغموض؛ لأن الأصح أن يقال: إنه لا أحد سوى الله يكون هذا شأنه، وما من شيء مخلوق يستطيع أن يوجد لحظة واحدة إلا وقدرة الله تسنده وتحفظه١. ولذلك صح للمدرسيين أن يقولوا: إن لفظ "الجوهر" لا يدل على معنى واحد إلى الله وإلى المخلوقات، أي: إن اللفظ ليس له معنى يمكن تصوره تصورا متميزا, ويكون دالا عليه وعليها دلالة واحدة, ولكن من حيث إن بعض الأشياء المخلوقة لا يمكن بطبيعتها أن توجد إلا بواسطة البعض الآخر، فإننا نميزها من الأشياء التي لا تحتاج إلا إلى عون عادي من الله٢، فنسمي هذه جواهر، ونسمي تلك "صفات" أو "خواص" لهذه الجواهر.

٥٢- في أن لفظ الجوهر يمكن نسبته إلى النفس وإلى الجسم بمعنى واحد، وكيف يعرف الجوهر نفسه:؟

والفكرة التي تكون لدينا عن الجوهر المخلوق تنطبق على الجواهر اللامادية انطباقها على الجواهر المادية أو الجسمانية؛ لأنه لا يلزمنا لكي نفهم أنها جواهر إلا أن ندرك أنها يمكن أن توجد دون اعتماد على أي شيء مخلوق. ولكن حين


١ "انظر المادة ٢١ من هذا الكتاب".
٢ هو الفعل الذي به يحفظ الله العالم وفقا لقوانينه وسننه, بخلاف الفعل الخارق للعادة كالمعجزات؛ لأن فيه خروجا على سنن الطبيعة.

<<  <   >  >>