متأثر ومتغير بها أستعمل لفظ "الأحوال" أو "الوجوه" وحين يكون هذا التأثير أو التغير داعيا إلى تسمية الجوهر جوهرا، أطلق اسم الكيفيات على الوجوه المختلفة التي تجعله خليقا بهذا الاسم. وأخيرا حين أرى بوجه عام أن هذه الأحوال أو الكيفيات قائمة في الجوهر، دون أن أنظر إليها إلا باعتبارها متعلقات لذلك الجوهر، حينئذ نسميها صفات. ومن حيث إنه لا ينبغي أن أتصور في الله أي اختلاف أو تغير, فإني لا أقول بأن فيه أحوالا أو كيفيات بل فيه صفات وحتى في الأشياء المخلوقة أطلق لفظ الصفات للأحوال أو الكيفيات على ما يكون فيها دائما على نحو بعينه، مثل الوجود والمدة في الشيء الموجود والذي يبقى في الزمان.
٥٧- في أن بعض الصفات موجود في الأشياء التي توصف بها، وفي أن بعضها موجود في الفكر فقط:
وهذه الكيفيات أو الصفات منها ما هي موجودة في الأشياء ذاتها, ومنها ما لا وجود له إلا في فكرنا. فمثلا الزمان الذي نميزه عن المدة بالمعنى العام -ذلك الزمان الذي نقول عنه: إنه عدد الحركة- ليس إلا نحوا من الأنحاء التي نتعقل المدة عليها؛ لأننا لا نتصور أن مدة الأشياء المتحركة هي شيء آخر غير مدة الأشياء غير المتحركة، وذلك واضح من أنه إذا تحرك جسمان ساعة من الزمان وتحرك أحدهما حركة سريعة والآخر بطيئة, فإننا لا نحسب في أحدهما زمانا أكثر مما في الآخر وإن كنا نفترض في أحد الجسمين حركة أكثر مما في الآخر, ولكن لكي نفهم مدة جميع الأشياء بمقياس واحد، نستعمل عادة مدة بعض الحركات المطردة التي هي الأيام والأعوام، ونسميها بالزمان، بعد أن نكون قد قارناها بعضها ببعض، وإن يكن ما نسميه زمانا ليس في الواقع شيئا خارج المدة الحقيقية للأشياء، سوى وجه من وجوه الفكر.