٦٣- كيف نحصل على أفكار متميزة عن الامتداد وعن الفكر، من حيث إن أحدهما هو طبيعة الجسم, وإن الثاني هو طبيعة النفس:؟
نستطيع كذلك أن نعتبر أن الفكر والامتداد هما الشيئان الأساسيان اللذان يقوّمان طبيعة الجوهر العاقل والجوهر الجسماني؛ ولذلك لا ينبغي أن نتصورهما إلا باعتبار أنهما الجوهر نفسه الذي يفكر والذي هو ممتد، أي: إنهما هما النفس والجسم؛ لأننا نعرفهما على هذا النحو معرفة متميزة جدا، بل إن معرفة جوهر يفكر أو جوهر ممتد أسهل من معرفة الجوهر فقط بمعزل عن أنه مفكر أو ممتد؛ لأن من الصعب أن نفصل معنى الجوهر لدينا عن معنى الفكر أو معنى الامتداد, إذ إنهما لا يفترقان عن الجوهر إلا من جهة أننا قد نعتبر الفكر أو الامتداد دون أن نفكر في الشيء نفسه الذي يفكر, أو الذي هو ممتد. وليس تصورنا أكثر تميزا لأنه يتضمن أشياء قليلة، بل لأننا نتبين ما يتضمنه، ولأننا نحرص على أن لا نخلط بينه وبين معانٍ أخرى قد تحيله أشد غموضا.
٦٤- كيف نستطيع أيضا أن نتصور الفكر والامتداد تصورا متميزا, على أنهما حالان أو صفتان لذينك الجوهرين:؟
نستطيع أيضا أن نعتبر الفكر والامتداد حالين أو وجهين مختلفين قائمين في الجوهر، أعني: أننا متى اعتبرنا أن الذهن الواحد يمكن أن يكون له أفكار مختلفة وأن الجسم الواحد يمكن دون أن يتغير حجمه أن يمتد على أنحاء عديدة، تارة يكون أكثر طولا وأقل عرضا, وتارة أخرى يكون أكثر عرضا وأقل طولا، وأننا لا نميز الفكر والامتداد عما هو مفكر وما هو ممتد إلا من حيث إنهما عرضان تابعان لجوهرين، فإننا نعرفهما بوضوح وتميز يعادل معرفتنا