لأن نكون على ثقة منه. ولكن في مراعاة ذلك مشقة كبيرة, وعلى الأخص فيما يتعلق بالأحاسيس، ومرجع ذلك إلى أننا منذ بداية حياتنا قد أدخلنا في اعتقادنا أن جميع الأشياء التي كنا نحسها موجودة خارج فكرنا وأنها مشابهة تمام المشابهة لما كان لدينا عنها من أحاسيس وأفكار. فإذا رأينا مثلا لونا معينا خلنا أننا رأينا شيئا له وجود خارج أذهاننا وظنناه شبيها بالفكرة التي كانت في أذهاننا عنه. وعلى هذا النحو كانت تجري أحكامنا على الأشياء في مواطن كثيرة, وكان يبدو لنا أننا نرى ذلك بغاية الوضوح والتميز بسبب أننا قد تعودنا إطلاق الأحكام على هذا النحو تعودا طويلا؛ فلا عجب بعد ذلك أن نجد من الناس من يظل متشبثا بهذه الأوهام تشبثا لا يخطر بباله معه أن يشك فيها.
٦٧- في أن كثيرا ما نخطئ, إذ نحكم بأننا نحس ألما في بعض أجزاء جسمنا:
ويقع هذا الوهم نفسه في سائر أحاسيسنا، حتى في إحساس الدغدغة والألم, إذ إننا وإن لم نعتقد أن في الأعيان خارج أذهاننا أشياء مشابهة لما جعلنا نحسه من دغدغة أو ألم، إلا أننا لم نعتبر هذه الأحاسيس أفكارا قد انحصر وجودها في أذهاننا، بل اعتقدنا كذلك أنها في أيدينا وفي أقدامنا وفي سائر أجزاء بدننا دون أن يكون هنالك سبب يحملنا على أن نعتقد أن الألم الذي نحسه في القدم مثلا هو شيء موجود خارج فكرنا ومكانه في قدمنا, ولأن الضوء الذي نظن أننا نراه في الشمس هو موجود في الشمس كما هو موجود فينا. وإذا كان من الناس من لا يزالون مقتنعين بهذا الرأي الخاطئ فما ذلك إلا لشدة تشبثهم بما أطلقوا من أحكام على الأشياء في مقتبل حياتهم، فلم يستطيعوا أن يتخلوا عنها إلى أحكام أمتن منها، كما سيتضح لنا مما يلي.