والقولان معناهما واحد لأن الثواب والعقاب غاية الأمر والنهي فهو سبحانه خلقهم للأمر والنهي في الدنيا والثواب والعقاب في الآخرة- وكما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} ولا فرق بين بلاد إبقاء العبادة على ظاهر معناها أو تفسيرها بالمعرفة كما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما، فإنهما متلازمان، فالمعرفة لا تكون بدون عبادة والعبادة لا تكون بدون معرفة، وأما ما يستدل به بعض من لا إلمام له بعلم الحديث مما يروى عن الله تبارك وتعالى أنه قال "كنت كنز لا أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت خلقا فعرفتهم بي فعرفوني" فقد قال حفاظ الحديث ونقاده. أنه لا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف.
إذا تمهد هذا فنقول ليعلم أن حاجة الناس إلى الشريعة ضرورية جدا فوق حاجتهم إلى كل شيء ولا نسبة لحاجتهم إلى علم الطب إليها. ألا ترى أن أكثر العالم يعيشون بغير طبيب ولا يكون الطبيب في بعض المدن الجامعة وأما أهل البدو كلهم وأهل الكفور كلهم وعامة بني آدم فلا يحتاجون إلى طبيب وهم أصح أبدانا وأقوى طبيعة ممن هو متقيد بالطبيب ولعل أعذرهم متقاربة وقد فطر الله بني آدم على تناول ما ينفعهم واجتناب ما يضرهم وجعل لكل قوم عادة وعرفا في استخراج ما يهجم عليهم من الأدواء حتى أن كثيرا من أصول الطب إنما أخذت من عوائد الناس وعرفهم وتجاربهم.
وأما الشريعة فمبناها على تعريف مواقع رضى الله وسخطه في حركات العباد الاختيارية. فمبناها على الوحي المحض. بخلاف الطب فمبناه على تعريف المنافع والمضار التي للبدن وعليه. مما قد لا تمس الحاجة إليه، وغاية ما يقدر في عدمه موت البدن وتعطل الروح عنه.