وأما ما يقدر عند عدم الشريعة ففساد الروح والقلب جملة وهلاك الأبد
وشتان بين هذا وهلاك البدن بالموت فليس الناس قط إلى شيء أحوج منهم إلى معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والقيام به والدعوة إليه والصبر عليه وجهاد من خرج عنه حتى يرجع إليه وليس للعالم صلاح بدون ذلك البتة ولا سبيل إلى الوصول إلى السعادة والفوز الأكبر إلا بالعبور إلى هذا الجسر.
ثم لفظ الشريعة يتكلم به كثير من الناس ولا يفرق بين الشرع المنزل من عند الله تعالى وهو الكتاب والسنة الذي بعث الله به رسوله فإن هذا الشرع ليس لأحد من الخلق كائنا من كان الخروج عنه ولا يخرج عنه إلا كافر، وبين الشرع الذي هو أقوال أئمة الفقه وآراؤهم التي أدى اجتهادهم ووصلت إليها أفهامهم كأبي حنيفة ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وغلاتهم من الأئمة المجتهدين، رضي الله عنهم أجمعين.
فهؤلاء أقولهم تعرض على الكتاب والسنة ويحتج لها بهما لما هو معلوم من حديث الحاكم والثابت أن طرق في الصحيح أن المجتهد يصيب ويخطئ فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر على اجتهاده والله يغفر له خطأه لكنه لا يتابع عليه. فما وافقهما أو كان أشبه بهما فهو الصواب وما خالفهما فهو خطأ لا يجوز لمن تبينه واطلع عليه متابعة من ذهب إليه. وإذا قلد المقلد أحدهم حيث يجوز له التقليد كان جائزا وليس إتباع أحدهم بعينه واجبا على جميع الأمة كإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. ولا يحرم تقليد أحدهم كما يحرم يحرم إتباع من يتكلم بغير علم.