للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فظهر بهذا أنهم لم يقولوا بالعمل الحديث الضعيف المعروف بهذه الصفة، وإذا لم يحتمل قولهم أحد الإحتمالين فهو قول مجتهد كما قال الشاطبي والجواب عن هذا أنه كلام مجتهد يحتمل اجتهاده الخطأ والصواب، إذ ليس له على ذلك دليل يقطع العذر، وإن سلم فيمكن حمله على خلاف ظاهره، لإجماعهم على طرح الضعيف الإسناد، فيجب تأويله على أن يكون أراد به الحسن السند وما دار به على القول بأعماله، أو أراد خيراً من القياس١.

كما أن في نسبة القول بتقديم الحديث الضعيف على القياس إلى أبي داود شك، وقد تشكك فيه الحافظ ابن حجر٢.

فإن قيل إذا كان الأمر كذلك يعني أنه لا يجوز العمل بالحديث الضعيف فلماذا روى الأئمة الأحاديث الضعيفة في كتبهم كمالك في الموطأ، وابن المبارك وأحمد في الرقاق، وسفيان في جامع الخير وغيرهم فقد سبق الجواب عنه في حكم رواية الحديث الضعيف.

وأما من قال بالعمل به في الفضائل والترغيب والترهيب فغير متجه، لأن فضائل الأعمال والترغيب من قسم المندوب، وهو من الأحكام كما هو معلوم. وقد مضى بيان حكم العمل بالحديث الضعيف في الأحكام، كما أنه يتضمن الأخبار عن الله عز وجل في الوعد على ذلك العمل بالإثابة والأخبار بالعقوبة المعينة.

قال الشوكاني: "إن الأحكام الشرعية متساوية الأقدام، لا فرق بينها، فلا يحل إثبات شئ منها إلا بما تقوم به الحجة، وإلا كان من التقول على الله عز وجل بما لم يقل. وفيه من العقوبة ما هو معروف، والقلب يشهد بوضع ما ورد في هذا المعنى وبطلانه"٣.

قال شيخ الإسلام: "العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي، وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقاً، ولم يقل أحد من الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف. ومن قال هذا فقد خالف الإجماع وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شئ إلا بدليل شرعي، لكن إذا علم تحريمه وروى حديث في وعيد الفاعل له، ولم يعلم أنه كذب جاز أن يرويه فيجوز أن يروى في الترغيب والترهيب ما لم


١ الإعتصام: ١/ ٢٢٦.
٢ النكت: ١/ ٤٤٣.
٣ الفوائد المجموعة ١/٢٨٣.

<<  <   >  >>