للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر١ بن عبد العزيز بأمره؛ ففي صحيح البخاري: "وكتب عمر بن عبد العزيز أبي أبي بكر بن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه؛ فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء) ، وأخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان بلفظ: "كتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق: انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعوه". قال في فتح الباري: "يستفاد من هذا ابتداء تدوين الحديث النبوي، ثم أفاد أن أول من دونه بأمر عم بن عبد العزيز ابن شهاب الزهري". اهـ٢.

وأخرج الهروي في ذم الكلام من طريق يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن دينار قال:"لم يكن الصحابة ولا التابعون يكتبون الأحاديث، إنما كانوا يؤدونها لفظا، ويأخذونها حفظا، إلا كتاب الصدقات"٣.


١ عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، الإمام أمير المؤمنين أبو حفص الأموي القرشي، مولده بالمدينة زمن يزيد، ونشأ في مصر في ولاية أبيه عليها، حدث عن عبد الله بن جعفر وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب وطائفة، وكان إماما فقيها مجتهدا، عارفا بالسنن كبير الشأن ثبتا حجة حافظا قانتا لله أواها منيبا، حدث عنه ابناه عبد الله وعبد العزيز والزهري وأيوب وأبو بكر بن حزم، وأبو سلمة بن عبد الرحمن وهما من شيوخه، وأمه أم عاصم بنت عمر بن الخطاب، وكان مليحا أبيض جميل الشكل حسن اللحية، بجبهته أثر حافر فرس شحه في صغره، وذا كان يقال له أشج بني أمية، وفي آخر أيامه خطه الشيب، عاش أربعين سنة، ويعد له وزهده يضرب به المثل رضي الله عنه.
قال الشافعي: الخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز، وقد ولي أولاً إمرة المدينة خلافة الوليد، وبنى المسجد وزخرفه، وكان إذ ذاك لا يذكر بكثير عمل ولا زهد، ولكن تجدد له لما استخلف وقلبه الله فصار بعد حسن السيرة والقيام بالقسط مع جده لأمه عمر، وفي الزهد مع الحسن البصري، وفي العلم مع الزهري، ولكن موته قرب من شيوخه فلم ينشر عمله، عن أبي جعفر الباقر قال: إن نجيب بني أمية عمر بن عبد العزيز؛ إنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة، وقال مجاهد: أتينا لنعلمه فما برحنا حتى تعلمنا منه، وقال ميمون بن مهران: ما كانت العلماء عند عمر بن عبد العزيز إلا تلامذة.
قال ابن سعد: ولد سنة ٦٣، وكان ثقة مأمونا له فقه وعلم وورع، وروى حديثا كثيرا، وكان إمام عدل، سمعت عبد الله بن داود يقول: ولد مقتل الحسين سنة (٦١) ، وقال أنس بن مالك: ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى، وقال الذهبي: سيرته تحتمل مجلدا، ومات بدير سمعان وقبره هناك يزار، ومات في رجب سنة إحدى ومائة، وله أربعون سنة سوى ستة أشهر.. اهـ. مقدمة تحفة الأحوذي ج٢ ص٤٧١.
٢ انظر تدريب الراوي ص٤٠ ط١.
٣ روى أبو داود بسنده عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة، فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه، فعمل به أبو بكر حتى قبض، ثم عمل به عمر حتى قبض، فكان فيه: في خمس من الإبل شاة ... الحديث.
وروى عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: (هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه في الصدقة، وهي عند آل عمر بن الخطاب، قال ابن شهاب: أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر، فوعيتها على وجهها، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عمر، وسلم بن عبد الله بن عمر، فذكر الحديث. اهـ. مختصر سنن أبي داود للمنذري ج٢ ص١٨٥، حديث ١٥١٠، ١٥١٢ من كتاب الزكاة باب زكاة السائمة.

<<  <   >  >>