للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والقسم الثاني من الوحي هو القرآن الكريم.

فالسنة النبوية من الوحي، بذلك نطق الكتاب العزيز {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى} ١، وبذلك جاءت السنة نفسها؛ فقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجه، عن المقدام بن معد يكرب أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه"٢.

يقول المنذري في مختصر السنن: وأخرجه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه.

يقول الإمام الخطابي في معالم السنن: "قوله " أوتيت الكتاب ومثله معه" يحتمل وجهين من التأويل، أحدهما: أن يكون معناه: أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أعطى من الوحي الظاهر المتلو.

ويحتمل أن يكون معناه: أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى، وأوتي من البيان، أي أذن له أن يبين ما في الكتاب ويعم ويخص، وأن يزيد عليه فيشرح ما ليس له في الكتاب ذكر، فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به كالظاهر المتلو من القرآن.

وقوله: "يوشك شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن" فانه يحذر بذلك مخالفة السنن التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس له في القرآن ذكر، على ما ذهبت إليه الخوارج والروافض؛ فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي قد ضمنت بيان الكتاب فتحيروا وضلوا.

(والأريكة) : السرير، ويقال: إنه لا يسمى أريكة حتى يكون في حجلة iii.

وإنما أراد بهذه الصفة: أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت، ولم يطلبوا العلم ولم يغدوا ولم يروحوا في طلبه في مظانه واقتباسه من أهله".

ثم يقول الخطابي: "وفي الحديث دليل على أنه لا حاجة بالحديث أن يعرض على الكتاب، وأنه مهما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حجة بنفسه".


i الآية ١٠ من سورة النجم، وانظر الحديث والمحدثين للشيخ أبي زهو.
ii انظر سنن أبي داود جـ ٢ ص ٥٠٥ كتاب السنة باب فما لزوم السنة ط ا.
iii الحجلة بفتحتين: واحدة حجال العروس، وهى بيت يزين بالثياب والأسرة والستور اهـ. مختار الصحاح ص١٢٤ط٧.

<<  <   >  >>