للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومما تقدم يتبين لنا أن علماء التدوين قد طوفوا الدنيا كلها، وانتشروا في البلدان والأمصار وأحاطوا بها يجمعون ويكتبون في حركة نشطة دائبة يواصلون الليل بالنهار؛ ليسجلوا أجلّ وأخلد سجل عرفته البشرية على الإطلاق، على امتداد تاريخها الطويل، فبعد كتاب الله جندوا أنفسهم وأقلامهم ليدونوا مصدر شريعتهم، ومنبع عزهم الدائم.

وأقول: إن رأي أكثر العلماء في ذلك العصر من التردد في شأن الكتابة، بين الفعل والترك يرجع الى أمرين:

فالحرص على كلام رسول الله أن يضيع كالخوف عليه أن يشيع فيه غير الصحيح كانا عاملين كبيرين في توجيه العلماء نحو القول بكتابة الحديث تارة والنهى عنها تارة أخرى.

وإذا كان أوساط التابعين قد بدءوا يحذرون وضع الوضاعين فان أواخر التابعين أمسوا يصادفون كثيرا من نماذج الوضاعين وصور وضعهم؛ تأييدا للفرق والشيع المختلفة، فقد أمسى لزاما أن يشيع التدوين وينتشر في عصرهم حفظا للنصوص النبوية من عبث العابثين، وميزة التدوين في هذا العصر أن الحديث كان ممزوجا غالبا بفتاوى للصحابة والتابعين، كما في موطأ مالك.

<<  <   >  >>