للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا أسهل تناولا، وتارة ترتب على أسماء القبائل؛ فيقدم بنو هاشم ثم الأقرب فالأقرب إلى رسوله الله صلى الله عليه وسلم في النسب، وتارة ترتب على السابقة في الإسلام؛ فيقدم العشرة المبشرون بالجنة، ثم أهل بدر، ثم أهل الحديبية، ثم من أسلم وهاجر بين الحديبية والفتح، ثم من أسلم يوم الفتح، ثم أصاغر الصحابة سنا، ويختتم بالنساء.

الطور الثالث:

جاء بعد هذه الطبقة، طبقة أخرى رأت ما أمامها من هذه الثروة العظيمة، ففتح أمامها باب الاختيار، وفي طليعة هذه الطبقة الإمامان الجليلان شيخا السنة أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي المتوقي ٢٥٦هـ، ومسلم بن الحجاج النيسابوري المتوفي سنة ٢٦١هـ؛ صنفا صحيحها بعد أن دققا في الرواية والاختيار، فكان إليهما المنتهى في ذلك.

وحذا حذوهما أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (فارس الحلبة) المتوفى ٢٧٥ هـ، وأبو عيسى محمد بن عيسى السامي الترمذي المتوفى سنة ٢٧٩هـ، وأبو عبد الرجمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفى سنة ٠٣ ٣، وأبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني المعروف بأن ماجه توفي ٣٧٣هـ.

وكتبهم هي المعروفة في لسان أهل الحديث بالكتب الستة، وقد حازت عند المسلمين من القرن الثالث إلى وقتنا هذا درجة عظيمة من الاعتبار؛ لما لهم في رواتها من الثقة العظمى.

ليس هؤلاء هم الذين ألفوا في السنة فقط، بل وجد بجانبهم كثيرون سواهم، إلا أن هؤلاء هم الذين نالوا شهرة لم ينلها غيرهم.

ونستطيع أن نقول: لم تدون السنة الصحيحة وحدها مرتبة على الأبواب إلا في أتباع أتباع التابعين، وعلى رأسهم أصحاب الصحاح الستة، وفي أواخر القرن الثالث انتهى أمر السنة وفي أثناء هذا الدور، حتى صارت علما مستقلا له رجال قصروا عليه بحثهم، ولا يخفى على عاقل أن هذا العصر لأجلّ عصور أهل الحديث وعلم السنة، وأسعدها بخدمة التأليف والتدوين، ففيه ظهر جهابذة المحدثين، وكبار المؤلفين وحذاق الناقدين وعقلاء المدققين وعمدة المحققين، وفيه ظهرت أنوار كتب السنة الستة، وأشرقت شموسها، حتى كادت لا تغادر من صحيح الحديث وحسنه إلا النذر اليسير، ومن ذلك اعتمد عليها المستنبطون، واعتضد بها المناظرون، وعول عليها المطالعون ورجع إليها المصنفون، وبهذا أخذ علماء الفقه أجمعون.

وكاد يتم جمع الحديث وتدوينه وتأليفه وتهذيبه وترتيبه في هذا العصر المجيد: عصر إمامنا أبي داود السجستاني إمام أهل السنة، وحسبنا فخرا أن ننتهي بأطوار الحديث إلى طور الازدهار والاشتهار حيث وجد وأطل على الدنيا شمس المحدثين مالك زمام الحديث وطبيب علله أبو داود السجستاني، وفيه نشأ، فهو حبة عقده رحمه الله.

<<  <   >  >>