للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول الإمام النووي: "إن من أهم العلوم تحقيق معرفة الأحاديث النبويات، أعني معرفة متونها، صحيحها وحسنها وضعيفها وبقية أنواعها المعروفة، ودليل ذلك أن شرعنا مبني على الكتاب العزيز والسنن المرويات، وعلى السنن المحكمات، وقد اتفق العلماء على أن من شرط المجتهد من القاضي والمفتي أن يكون عالما بالأحاديث الحكميات، فثبت بما ذكرناه أن الاشتغال بالحديث من أجَلّ العلوم الراجحات وأفضل أنواع الخير وآكد القربات، وكيف لا يكون كذلك؟ وهو مشتمل على بيان أفضل المخلوقات، عليه من الله الكريم أفضل الصلوات والسلام والبركات الخ"١.

ويقول العلامة الشهاب أحمد المنبتي الدمشقي الحنفي "إن علم الحديث علم رفيع القدر عظيم الفخر، شريف الذكر، لا يعنى به إلا كل حبر، ولا يحرمه إلا كل غمر، لا تفنى محاسنه على ممر الدهر، لم يزل في القديم والحديث يسمو عزة وجلالة، وكم عزّ به من كشف الله له مخبآت أسراره وجلاله؛ إذ به يعرف المراد من كلام رب العالمين، ويظهر المقصود من حبله المتصل المتين، ومنه يدرى شمائل من سما ذاتا ووصفا واسما، ووقف على أسرار بلاغة من شرف الخلائق عربا وعجما.

وناهيك بعلم من المصطفى صلى الله عليه وسلم بدايته وإليه مستنده وغايته، وحسب الراوي للحديث مشرفا وفضلا وجلالة ونبلا، أن يكون أول سلسلة آخرها الرسول، وإلى حضرته الشريفة بها الانتهاء والوصول.

وطالما كان السلف يقاسون في تحمله شدائد الأسفار، ليأخذوه عن أهله بالمشافهة، ولا يقنعون بالنقل من الأسفار، فربما ارتكبوا غارب الإغتراب بالارتحال إلى البلدان الشاسعة لأخذ حديث عن إمام انحصرت روايته فيه، أو لبيان وضع حديث تتبعوا سنده حتى انتهى إلى من يختلق الكذب ويفتريه.

وتأسى بهم من بعدهم من نقلة الأحاديث النبوية؛ فضبطوا الأسانيد وقيدوا منها كل شريد، وسبروا الرواة بين تجريح وتعديل، وسلكوا في تحرير المتن أقوم سبيل، ولا غرض لهم إلا الوقوف على الصحيح من أقوال المصطفى وأفعاله، ونفي الشبهة بتحقيق السند واتصاله؛ فهذه هي المنقبة التي تتسابق إليها الهمم العوالي"٢.

وفي كتاب الخطة: "اعلم أن آنف٣ العلوم الشرعية ومفتاحها، ومشكاة الأدلة السمعية ومصباحها، ومبنى شرائع الإسلام وأساسها، ومستند الروايات الفقهية كلها، ومركز المعاملات ومحط حارها وقارها هو علم الحديث الشريف الذي تعرف به جوامع الكلم، وتنفجر منه ينابيع الحكم وتدور عليه رحى الشرع بالأسر، وهو ملك كل نهي وأمر، ولولاه، لقال:


١ انظر مقدمة صحيح مسلم.
٢ انظر قواعد التحديث.
٣ آنف: أول.

<<  <   >  >>