يتجول المرء في المسجد ليستمع إلى تلك الدروس ومتى أصغى إلى شيخ وأعجب من أسلوبه، وتمكن من الفهم منه جلس مع الملتفين حول الشيخ وأخذ ما شاء الله له من الفوائد وانصرف.
وللصبية الصغار حلقات وكتاتيب عند مدخل المسجد النبوي أذكر منها كتاب الشيخ التابعي والشيخ الرحالي، والشيخ مولود، والعريف بن سالم والعريف مصطفى والعريف جعفر فقيه, وغيرهم. وكل كتاب منها يعتبر مدرسة تتكون من عدة مراحل دارسية لدراسة القرآن الكريم، وبعض المبادئ الدينية، والأذكار النبوية التي ينبغي أن يلم بها المسلم.
أما تدريس الصغار للعلوم الشرعية فإن على الآباء أن يختاروا لأبنائهم الفقيه الذي يختارونه لذلك سواء كان التعليم في البيت أو المسجد ما داموا صغاراً، فإذا بلغ السن التي تؤهله لحمل الكتاب، ومزاحمة الرجال انتقل الأبناء إلى حلقات المسجد، وبذلك تكون رابطة الفرد بالمسجد وعلاقته به من الصبا إلى ما شاء الله.
وقد ورد في الحديث ما يدل على أن التعلم والتعليم في المساجد من أفضل القربات، من ذلك ما روى أحمد وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل مسجدنا هذا ليتعلم خيراً أو ليعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله، ومن دخل لغير ذلك كان كالناظر إلى ما ليس له".
وأنت خبير بقصة الثلاثة الذين دخلوا المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فيه مع أصحابه فأقبل أحدهم، واستحى الثاني, وأعرض الثالث، فأعرض الله عنه, وقصة دخوله صلى الله عليه وسلم المسجد مرة وإذا بحلقة علم وحلقة ذكر فجلس مع أهل العلم، وقال: "إنما بعثت معلماً" , ناهيك عن خطب النبي صلى الله عليه وسلم فيه للجُمع وبعض المناسبات.
ويذكر العلماء أن تميماً الداري استأذن عمر رضي الله عنهما أن يقص في المسجد فأذن له عمر، واستمع ابن عمر وابن عباس إلى عبيد بن عمير في المسجد، وكان معاذ يستند إلى سارية في مسجد دمشق، وتلتف الناس حوله ليقص عليهم.
أما الاشتغال بالتذكير والفتوى في المساجد والدور بالمناسبات فقد حصل من العديد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين وتابعيهم تولى بيان ذلك العلماء الذين عنوا بأخبار القصاص والوعاظ والمذكرين.
أقول: لذا فإن الشيخ الأفريقي رحمة الله علينا وعليه قد وجد ميراث النبوة وافراً بالمسجد النبوي، ووجد أساطين العلماء، وكبار المربين منتشرين فيه, ووجد العلم ثرا في الروضة اليانعة به. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا" قالوا: "يا رسول الله وما رياض الجنة؟ " قال: "حلق العلم".
فخاض الشيخ الأفريقي فيه ورتع، وأخذ من الثمار ما قدر له وكان للإخلاص والتقوى مفعولهما بعد توفيق الله وهو يقول: {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ} (البقرة: ٢٨٢) .