ما نهمله قد يكون أعظم قيمة مما نعالجه، ويدرك الناقد فزع شديد لهذه الحقيقة ثم ينظر إلى السينما والقصة البوليسية والمذياع والكتاب الهزلي وهي الميادين التي تصلح لهذا الشكل الفني الذي توهم إغفاله، فيخف فزعه ويتسهل جزعه إلا أن لهذا الفزع مغزاه، فإن الذي يزعج طمأنينة الناقد هو اتساع مسؤوليته وضخامتها فهو وحده، ولا عون له إلا معرفته الحارس الوحيد للفن وأبوابه السحرية. فماذا يفعل الناقد التعاوني الجماعي؟ إنه لا ينشئ قراءات ومعاني متعددة فحسب ولكنه أيضاً يكسب لها جميعاً جمهوراً محباً لتلقيها قادراً على محاكمتها، أي أنه يكثر المعاني والقراءات وفي الوقت نفسه يجعلها محطاً للجدل والحوار وتتعاورها الأفكار المتعددة ومن تعدد الأفكار بل من كثرة الأخطاء ينبثق الصدق وهذا شيء قد أدركه العقلاء منذ عهد أفلاطون وحوارياته. فتركيب هذه الطريقة النقدية ليس تكثيراً بسيطاً أو تعدداً في الجوانب أو خلطاً فوضوياً وإنما هو صراع ديالكتيكي أصيل ومن هذا ينبثق الصواب وتتبلج الحقيقة. وقد نحصل على هذا التركيب لدى ناقد واحد أو في جماعة من النقاد ولكن يجب أن نحصل عليه على نحو حال. أما " نحصل " هذه بصيغة الجمع فإنها تعني العالم كله، إذ حيثما كانت الحقيقة ممكنة الظهور فنحن جميعاً نقاد بالضرورة.