نثري ينسج شعراً في تدرج صناعي خالص، كما ينسج الثوب، مع الحذق في الربط عند الانتقال في داخل القصيدة من موضوع إلى موضوع؛ وتستغرق هذه الوحدة من الشاعر جهداً مضنياً في التصور أولاً، ثم في تأمل الأجزاء، ونقل بعضها هنا وبعضها هناك، وتغيير الألفاظ وتنقيح التعبيرات، واستبعاد ما لا يلتئم في هذا السياق؛ فالوحدة هنا نتاج عمل ذهني منطقي؛ ولعل تصور ابن طباطبا للوحدة هو الذي أخذ به النقاد من بعده لأنهم لجأوا دائماً إلى التمثيل، فشبهوا القصيدة بالنسيج أو شبهوها بعمل الصائغ للخاتم أو السوار (وقد اكثر عبد القاهر من هذه التمثيلات) .
ولم يخرج تصور الوحدة لدى النقاد العرب عن صورة التكامل والتناسب معاً؛ وكانت أقصى درجات التعبير عن هذا النوع من الوحدة هي الإشارة إلى انه العلاقة بين اللفظ والمعنى هي علاقة الجسد بالروح؛ وقد نقل الحاتمي هذه الوحدة القائمة على التكامل والتناسب إلى صورة الجسد نفسه:" فإن القصيدة مثلها خلق الإنسان في اتصال بعض أعضائه ببعض فمتى انفصل واحد عن الآخر أو باينه في صحة التركيب غادر بالجسم عاهة تتحيف محاسنه وتعفى معالم جلاله "، وقد استعار ابن رشيق هذه الفكرة من الحاتمي، ورددها من تأثروا بابن رشيق من بعد؛ ولم تتجسد قضية الوحدة في ذهن حازم من غير الطرق الشكلية والحيل الشعرية، لأنه كان مشغول الذهن بالتأثير في نفس السامع حين تحدث عن التنويع في انتقال الشاعر أثناء قصيدته من فصل إلى فصل: " أن الحذاق من الشعراء؟ لما وجدوا النفوس تسأم من التمادي على حال واحدة وتأثر الانتقال من حال إلى حال، ووجدوها تستريح إلى استئناف الأمر بعد الأمر واستجداء الشيء بعد الشيء، ووجدوها تنفر من الشيء الذي لم يتناه في الكثرة إذا أخذ مأخذاً واحداً ساذجاً ولم يتحيل فيما يستجد نشاط النفس بقبوله بتنويعه والافتنان في أنحاء الاعتماد به وتسكن إلى الشيء وغن كان متناهياً في الكثرة إذا أخذ من شيء مأخذه؟. اعتمدوا في القصائد أن يقسموا الكلام فيها إلى فصول ينحى بكل فصل منها