٣ - العلاقة بين الشعر والأخلاق (أو الشعر والدين) :
تبدأ هذه المشكلة مبكرة في تاريخ النقد العربي بالفصل - في الموضوع - بين الشعر والدين، فالشعر عند الأصمعي مجاله الشر. وإذا تناول الموضوعات الأخلاقية والدينية (الخير) ضعف وتهافت، وقد كان هذا المعنى واضحاً عند اشد الأخلاقيين تزمتاً، ولهذا اخرجوا من الشعر ما كان وعظاً أخلاقياً، وعندما استدار النقد إلى ما يشبه الخاتمة عند ابن خلدون ظللنا نسمع أن من يحاول القول في الزهديات والربانيات والنبويات يسقط سقوطاً ذريعاً، ويعلل ذلك بسبب ابتذال معانيها بين الناس، فالالتفاتة صحيحة، ولكن التعليل ربما لم يكن كافياً.
ولكن العلاقة بين الشعر والدين (أو الشعر والخلق) اقترنت لدى النقاد بموقف دفاعي عن الشاعر - دون الشعر -، فإذا عيب أبو تمام بأنه قليل التدين لا يؤدي الصلوات في أوقاتها. دافع عنه الصولي بأن الدين ليس مقياساً في الحكم على الشاعر، وإذا عاب بعضهم المتنبي بأنه مستهتر في شعره ببعض الشؤون الدينية دافع عنه القاضي الجرجاني - لا عن شعره - بان الشاعر لا يعاب لدينه، إذ لو كان الأمر كذلك لأطرح الجاهليون وقد كانوا وثنيين أو لأطرح شعر أبي نواس وكان شديد التهتك والاستهتار. فالفصل في الموضوع بين الدين والشعر لم ينضج إلا عند رجل من أشد النقاد تحرجاً - وهو الأصمعي. ولكن السؤال هو: ما هو موقف الناقد إذا كان يقرأ شعراً فيه تهجم على بعض المواضعات الأخلاقية أو المبادئ الدينية؟ هنا يتسع البون بين النظرية والتطبيق، ونجد نقاداً مثل الباقلاني وابن شرف وابن بسام أخلاقيين في معيارهم: فالباقلاني يعيب معلقة أمرئ القيس من زاوية أخلاقية. ولا يكتفي ابن شرف بذلك بل يقول: أن النظرة إلى بعض القصائد من الزاوية الأخلاقية إنما هي من صميم الحكم الفني على الشعر، وتحس لدى ابن بسام تحرجه من الناحية الأخلاقية في مقاييسه النقدية