للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وضيقه وتبرمه بكل شعر يشم منه الإلحاد أو استعمال المصطلح الفلسفي.

وللعلاقة بين الشعر والأخلاق زاوية أخرى يمثلها المتأثرون بالثقافة اليونانية. فقد تنبه بعضهم من خلال الفهم الخاطئ لغاية المأساة (التراجيديا) إلى أن الشعر اليوناني كان يقصد إما إلى الحث على فعل أو الردع عن فعل (١) (أي أن محوره هو الفضيلة) وكان في ثنايا ذلك اتهام للشعر العربي، لأنه يتحدث عن الظلم والتهتك والإغراء بالرذائل ومحاكاة الدواب أحياناً. ولهذا كان ذلك الإتهام يعني أن الشعر العربي - في جملته - مناقض للأخلاق ويتبدى هذا الاعتقاد على أتمه عند المتأثرين بجمهورية أفلاطون مثل مسكويه وابن رشد، فهذان الفيلسوفان اتخذا كلام أفلاطون في نقد الشعر اليوناني سبيلا إلى تطبيق نظريته على الشعر العربي، ولما كانت الغاية النهائية من هذا تربوية. فان كلاً منهما نصح أن يجنب الناشئة الشعر الذي يتحدث عن النسيب أو مدح الطغاة، لان ذلك ذو أثر رديء في نفوسهم، ويشبههما في هذا الموقف ابن حزم الذي كان خاضعاً لنظرته الفقهية في الحكم على الشعر. فقد نفى منه أكثر أنواعه لاعتقاده أنها تضر بأخلاق الناشئة؛ وحيثما كانت الزاوية في النظر إلى الشعر هي " التربية " نجد الناظرين إليه يستبعدونه، لإقناعهم أنه من العوامل الهدامة أخلاقياً. وخلاصة ذلك كله:

(أ) إذا كان الناقد يدافع عن الشاعر أنكر التعارض بين الشعر والأخلاق.

(ب) إذا أخذ في النقد التطبيقي تحول بالنقد إلى المقاييس الأخلاقية.

(ج) إذا تحدث عن التربية جعل الشعر (ما عدا القليل منه) مسئولاً عن التحول بالنفس نحو الشر.


(١) انظر الشفا - المنطق (قسم الشعر) : ٣٤.

<<  <   >  >>