يتفاوت النقاد في تناولهم لهذه المشكلة بين التسامح الكثير والتنقير والتعقب المضني، وتتفاوت كذلك درجاتها عندهم، فبينا نجد ناقداً مثل الآمدي أو القاضي الجرجاني أو حازم يتناولها دون حدة، نجد البحث فيها - مصحوباً بالنقمة والغيظ - هو الشغل الشاغل للحاتمي (في بعض حالاته) ولأبن وكيع والعميدي. وقد كان الدافع الأول لنشوء هذه القضية هو اتصال النقد بالثاقفة، ومحاولة الناقد أن يثبت كفايته في ميدان الاطلاع، ثم تطور الشعور بالحاجة إلى البحث في السرقات خضوعاً لنظرية - ربما كانت خاطئة - وهي أن المعاني قد استنفدها الشعراء الأقدمون، وان الشاعر المحدث قد وقع في أزمة، تحد من قدرته على الابتكار، ولهذا فهو إما أن يأخذ معاني من سبقه أو يولد معنى جديداً من معنى سابق، وبهذا يتفاوت المحدثون في قدرتهم من هذه الناحية، فمنهم من يقصر عن المعنى السابق، ومنهم من يحتذيه، ومنهم من يزيد عليه، ومنهم من يولد معنى لم يخطر للأول، ويذلك حل التوليد محل الابتكار. ويسبب هذا التفاوت، تفاوت المصطلح المتصل بالمعاني من هذا الطريق - كما قدمت القول - وبما أن قضية السرقة كانت من نصيب الشاعر المحدث لذلك نجد أكثر الكتب المؤلفة في هذه المشكلة إما أنها تتحدث عن سرقة المعاني عامة، وإما إنها تخصص لهذا أو ذاك من الشعراء المحدثين، فهناك كتاب في سرقات أبي نواس وآخر في سرقات أبي تمام وثالث في سرقات البحتري، حتى إذا وصلنا إلى المتنبي فاض فيض المؤلفات في سرقاته، وإذا وضعنا العداء للمتنبي جانباً وجدنا هذه الظاهرة تمثل شيئين: أولهما الإحساس العميق بان دائرة المعاني قد أقفلت، وأن منتصف القرن الرابع يشهد " الغارة الشعواء " على كل معنى سابق، لمتقدم أو معاصر. وقد أمعن بعض النقاد في الاتهام، فجعلوا المتنبي لصاً كبيراً لا يسرق من أبي تمام وحسب، بل هو يغير على المغمورين من الشعراء، وفي هذا نفسه فضح النقاد أنفسهم في إبراز مدى تحاملهم أولا وتعالمهم ثانياً؛ والشيء الثاني: استقطاب مشكلة