السرقات لسائر القضايا النقدية واستئثارها بكل الجهود؛ وفي هذا إشارة إلى خروج رحى النقد عن محورها الطبيعي، ولمثل هذا قدمت القول بان النقد الأدبي كان يقدم شهادة عجزه في أواخر القرن الرابع.
فأما الذين تحدثوا عن السرقات الشعرية من حيث هي ظاهرة طبيعية - ولم تهجهم إلى ذلك خصومة معينة - فإنهم كانوا ينطلقون من موقفهم ذاك عن اعتقاد راسخ بان معاني الشعر، كالهواء والمرعى والماء. إنما هي في أساس خلق هذا الكون مشاع بين الناس، فلا ضير على الخالف ان يأخذ ميراث السالف، وقد حاول هذا الفريق أن يسوغ الأخذ بجعله أساساً في التراث القديم، فتحدث أصحابه عن اصطراف كثير لمعاني جميل وغيره، وعن استيلاء الفرزدق عنوة على أبيات لذي الرمة وغيره، ولكنهم تجاوزوا هذا العدوان السافر إلى الذكاء والحيلة، فميزوا القدرة على التوليد وجعلوا كل من أخذ معنى وأجاد في ذلك فهو أحق بذلك المعنى من صاحبه الأول، وعند هذا الحد تكون نظرية السرقة قد سوغت - لا الشركة المشاعة وحسب - بل سوغت أيضاً مبدأ الابتزاز القائم على القدرة والحذق. وإننا لنجد نقاداً يتحدثون عن الأخذ، وكأنه المبدأ الوحيد في الإبداع الفني في الشعر، فهم يضعون له القواعد والدرجات، والسر في هذا الموقف ان هذا الفريق من النقاد كانوا شعراء، كابن شهيد مثلاً، او كانوا ناثرين - كابن الأثير - قد وصلوا إلى الإيمان بان الطريقة المثلى في الإنشاء ليست سوى حل للمنظوم، أي تغيير الصورة التي عند غيرهم إلى صورة أخرى ذات إيقاع جديد.
والحق أن جواب حازم على هذه القضية كان رصيناً ومقنعاً، وذلك أن اعتماد الشعر على المعاني الجمهورية، يبطل القسم الأعظم من دعاوى السرقة، ولا يبقي في الميدان إلا الصور " العقم " - وهي الصور التي توصل إليها شاعر على نحو من الابتداع وعرفت به (كتشبيه عنترة للروضة " ومثل هذه الصور والمعاني لا يحتاج ثقافة واسعة لدى الناقد، ثم لا يحتاج