للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حقيقة تطورية عن العيون. ولهذا لم يبدأ الإحساس بالتغير والتطور إلا حين أخذت بعض الأذواق تتحول عن تلك النماذج إلى نماذج جديدة، وحين أخذت المقاييس الأخلاقية والقيم العامة والتقاليد المتبعة تنحني أمام تيارات جديدة أو تصطدم بها، وحين تعددت المنابع الثقافية وتباينت مستوياتها.

ومع أن هذه المشكلات جميعاً كانت قد برزت حين عاش الأصمعي فإن التصاقه بالرواية واللغة ذلك الالتصاق الشديد لم يسمح له أن يراها بوضوح أو ان يتمثلها؛ ولكن رغم ذلك كله كان الأصمعي - فيما اعتقد - بداية النقد المنظم لأنه أحس ببعض المفارقة التي أخذت تبدو في أفق الحياة الشعرية، غير انه بدلاً من أن ينظر إلى المشكلة في ضوء تطوري، نظر إليها من خلال موقف " ثابت "، نظر إلى الشاعر - أياً كان - فوجده أحد اثنين، فهو إما فحل وغما غير فحل، ونظر إلى منبع الشعر فوجده أيضاً واحداً من اثنين إما الخير وإما الشر، وليس بسبب تدينه قرن الشعر بالشر، ولكن لأن " الشر " عنده هو صورة النشاط الدنيوي جملة، والشعر ينبع من ذلك النشاط.

وقد يكون ابن سلام أشد صلة بالنقد المدروس من الأصمعي، ولكنه يشبهه في انه حصر رؤيته ضمن ذلك " الثبوت " الذي يمثله الشعر الجاهلي والإسلامي؛ هو الأصمعي يرى الشاعر فحلاً أو غير فحل، ولكنه يزيد عليه في أن الفحولة درجات، ومن ثم كانت نظريته في الطبقات.

وتقع المشكلة التي تورق ابن سلام ضمن ذلك الإطار الثابت، وهي التمييز بين الأصيل والدخيل من ذلك الشعر القديم، ثم هو لا يعني بشيء آخر، بعد أن مزج بين النقد والتاريخ الأدبي، وأقام الثاني منهما على قاعدة نقدية دون أن يهتم كثيراً بالتعليل في اختياره لتلك القاعدة.

وهذا هو الفرق بين كل منهما وبين الجاحظ، فغن الجاحظ الذي

<<  <   >  >>