للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

سهل عذب وكلام ذاك متعقد كز، ولشعر هذا ماء ورقة وحلاوة، وفي شعر ذاك غلظ وجساوة؛ وشعر هذا في فن واحد - وهو الغزل - فأكثر فيه وأحسن، وقد افتن العتابي فلم يخرج في شيء عما وصفناه به ".

فابن المنجم يريد في هذا النص أن ينكر جواز المفاضلة بين الرجلين، لأنه لا صلة مشتركة تجمع بين العالم والشاعر؛ ولكن هب أن ما نظمه العتابي يدرجه مع الشعراء. فالفرق بينه وبين العباس كالفرق بين الشاعر المتكلف والشاعر المطبوع (وهذه تفرقة سنجدها واضحة عند أبن قتيبة) ، فإذا سئل ابن المنجم عن إمارات الطبع أورد صفات مثل: السهولة والعذوبة والمائية والرقة والحلاوة؛ وأضداد هذه تكون سمة للتكلف؛ ولأول مرة نجد ناقداً يميز شاعراً بأنه اقتصر على فن واحد فاحسن فيه، لان النقد من قبل كان يتطلب من الشاعر أن يجيد في أكثر الفنون؛ وبعد هذه المقارنة في الكليات تطرق ابن المنجم إلى الجزئيات، فاختار قصيدة عدها الناس من أشعر شعر العتابي، وهو قصيدته:

يا ليلة لي بحوارين ساهرة حتى تكلم في الصبح العصافير

فانتقده بأنه سرق فيها معنى من بشار ولم يحسن أخذه وإنما " مسخه " " وحق من أخذ معنى وقد سبق إليه أن يصنعه أجود من صنعة السابق غليه أو يزيد فيه عليه حتى يستحقه، فأما إذا قصر عنه فإنه مسيء معيب بالسرة مذموم ثم في التقصير "، وبأنه غلبه في العجاء شاعر ثانوي المنزلة، واستخرج من قصيدته ألفاظاً نابية غير موسيقية أو خفيفة على السمع. " وما شيء أملك بالشعر بعد صحة المعنى من حسن اللفظ ". وهنا انتهت هذه المناظرة، ولكن الآراء التي وردت فيها تجعلنا نعرف إلى أي فئة من النقاد ينتمي ابن المنجم، فهو يحسن بعض القواعد العامة مثلما يقف عند جزئيات النص ويؤمن بالفرق الواسع بين الطبع والتكلف، ويقيم للسرقة مبدأ عاماً، ويقدم المعنى على اللفظ، ولكنه يتوقع اجتماعهما معاً حتى يكون الشعر جميلاً، فصحة المعنى وحسن اللفظ ضروريان في الشعر الجيد، ذلك هو

<<  <   >  >>