للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مجمل موقف ابن المنجم الناقد ولو وصلتنا رسالته لكان لها - فيما نقدر - أثر في توضيح منهجه النقدي من جوانب أخرى.

٥ - النظرة التوفيقية:

كانت هذه النظرة ثمرة الصراع الذي نشأ بين القديم والمحدث من الشعر؛ وهو صراع لم يكن حاداً كما قد يتبادر إلى الأذهان، وكان للنقاد التوفيقيين ولغلبة ذوق العصر أثرهما في تخفيف حدته وتقصير مدته؛ ويجب أن نسارع إلى القول بأنه وجد في المحافظين أناس تنكروا للشعر المحدث وحطوا من قيمته، ولكن لم يوجد بين متذوقي الشعر المحدث من طوى كشحاً دون الشعر القديم أو صرح بالغض منه، ذلك لأن المحدثين من الشعراء ومن دارسي الأدب كانوا هم تلامذة القديم، وهم يرون في نتاج العصر حينئذ امتداداً له، ومن ثم فإن النظرة التوفيقية لم تكلف أصحابها كثيراً من الشجاعة ولا اضطرتهم إلى خوض معارك حامية، كالتي ستدور في الخلاف حول ألوان من الشعر المحدث نفسه من بعد؛ وقد التقى حول هذه النظرة أناس ذوو مشارب متباينة، فيهم اللغوي المشبع بروح القديم كابي العباس المبرد، والمتكلم المتأثر بشتى ألوان الثقافات كالجاحظ، وذوو الثقافة الإسلامية الخالصة كابن قتيبة والشاعر المحدث كابن المعتز. وسواء صرح هؤلاء بالتعبير عن موقفهم التوفيقي أو لم يصرحوا فغن ميدان اهتمامهم الشعري يجعل عدهم معاً في نطاق هذا الاتجاه لا يحتاج جدلاً. غير أن دور كل منهم في النقد تجاوز هذا الموقف العام إلى آراء ونظرات نقدية هامة، ولهذا صح ان نفرد لكل منهم حديثاً مستقلاً:

<<  <   >  >>