للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

نظرته إلى قضية اللفظ والمعنى

وقد ألمح المبرد أثناء اختياره للأشعار إلى موقفه من قضية اللفظ والمعنى، غير أنه لم يتناول تلك القضية بشيء من التفسير، فالشعر لديه مستحسن أحياناً لصحة معناه وجزالة لفظه وكثرة ورود معناه بين الناس أو لقرب مأخذه أو لسهولته وحسنه أو لغرابة معناه وجودة لفظه أو لخلوصه من التكلف وسلامته من التزيد. أما الضرورات اللفظية والالتواء في المعاني واستعمال الكلمات الهجينة فذلك هو ما ينكره ويمقته. وواضح من هذا أن المبرد يدور في الفلك النقدي العام في عصره، دون أن يكون ذا بصر نافذ يميزه بين النقاد، ولكنه ابن العصر ومصطلحه هو مصطلح عصره.

عمرو بن بحر الجاحظ (- ٢٥٥)

الشعر مصدر للمعرفة

من الغريب أن الجاحظ وهو يعد أصناف الرواة واستغلالهم للشعر في خدمة أهدافهم من نحو وغريب وشاهد ومثل (١) ، لم يحس أنه وقع في مثل ما وقعوا فيه فاستغل الشعر مصدراً لمعارفه العامة، إذ استمد منه تصوره للخطابة وبعض معلوماته عن الحيوان، بل إنه جاء بأشعار وشرحها لان شرحها يعينه على استخراج ما فيها من معرة علمية، وهو إذا روى الشعر بمعزل هم الاستشهاد فإنما يريده للمذاكرة أو للترويح عن النفس كغيره من نقاد عصره؛ ومع ذلك كله يتميز الجاحظ عن جميع الرواة بل يتميز عن جميع من ألموا بالنقد في القرن الثالث، ومرد هذا إلى طبيعته الذاتية وملكاته وسعة ثقافته. ويأسف الدارس لان الجاحظ لم يفرد للنقد كتاباً خاصاً أو رسائل، وانه أورد ما أورده من نظرات عرضاً في تضاعيف كتبه كالحيوان والبيان والتبيين؛


(١) انظر ما سبق ص: ٥٧.

<<  <   >  >>