للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنما تفاوت المقامات إحداهما عن الأخرى بعدد من يتصدى الكاتب لنقدهم، ولنمثل على ذلك بما يقوله كل من اشرف والسرقسطي في المتنبي:

يقول ابن شرف: " وأما المتنبي فقد شغلت به الألسن، وسهرت في أشعاره الأعين، وكثر الناسخ لشعره والآخذ لذكره، والغائص في بحره، والمفتش في قعره عن جمانه؛ وقد طال فيه الحلف وكثير عنه الكشف، وله شيعة تغلو في مدحه، وعليه خوارج تتعايا في جرحه، والذي أقول: إن له حسنات وسيئات، وحسناته اكثر عددا وأقوى مددا، وغرائبه طائرة، وأمثاله سائرة، وعلمه فسيح، وميزه صحيح، يروم فيقدر، ويدري ما يورد ويصدر (١) .

ويقول السرقسطي فيه: " قلت فالكندي أبو الطيب؟ قال ذو الطبع الصيب، والكلم الطيب، ألم يتقدم ذكره، وشهر عرفه ونكره؟ لهجت بأمثاله الأفواه، وعذبت بأشعاره الأمواه، وسارت بذكره الرفاق، ووقع على تفضيله الاصفاق، أغص القائلين وأشرق، وأضاء كوكب فأشرق " (٢) .

ومن مقارنة هذين المثالين يتضح تقاربهما في تأكيد شهرة المتنبي وقدرته وإعجازه لمن يريدون تقليده، ومثل هذا الأحكام يمس السطح مسا دون أن يكون حقيقا بأسم النقد. على ان مقامة ابن شرف تمتاز عن مقامة السرقسطي في أنها تصدت لذكر بعض الأندلسيين بينا أغفلهم السرقسطي تماما. ومن الأندلسيين المذكورين فيها ابن عبد ربه القرطبي وابن هانيء والقسطلي. وهذه الناحية هي التي اهتم بها ابن فتوح في القطعة التي


(١) الذخيرة٤/١: ١٦٤
(٢) المقامات اللزومية:٧٥

<<  <   >  >>