عبد الرحمن زرياب إلى الأندلس وتقول الروايات ان الغزال لم يرتح إلى هذا القادم فهجاه هجاء مقذعا، لسبب لا ندريه، فغضب منه عبد الرحمن عندما شكاه إليه زرياب فأمر بنفيه عن الأندلس فكلمه فيه أكابر دولته فعفا عنه، وتضيف إحدى الروايات انه لم يطب نفسا بالمقام في بلده فهاجر إلى المشرق، بعيد وفاة أبي نواس، وانه أقام مدة يتجول في البلاد المشرقية ثم حن إلى وطنه فعاد وهو قد شارف الستين. ولكن ليس هناك من الأسباب المقنعة ما يجعلنا نعتقد صحة هذه الرواية أو أن الغزال رأى المشرق أبدا.
وولاه الأمير عبد الرحمن قبض الأعشار ببلاط مروان واختزالها في الأهراء استجابة لرغبة عبر عنها في إحدى قصائده (١) . وفي ذلك العام ارتفعت الأسعار فباع الغزال كل ما لديه من مخزون، ثم نزل المطر ورخص الطعام، فلما علم الأمير بما فعله الغزال أنكره وقال:" إنما تعد الأعشار لنفقات الجند والحاجة إليها في الجهد فماذا صنع الخبيث؟ خذوه بأداء ما باع من أثمانها واشتروا به طعاما "، وأبى الغزال ان يدفع ثمن ما باعه وقال:" إنما اشتري لكم من الطعام عدد ما بعت من الإمداد " فأمر الأمير بحمله مقيدا وسجنه بقرطبة، ومن السجن رفع الغزال إلى الأمير قصيدته التي مطلعها:
بعض تصابيك على زينب ... لا خير من الصبوة للأشيب وقد مدح فيها الأمير بالعدالة والهيبة فقال:
من مبلغ عني إمام الهدى ... الوارث المجد أبا عن أب
إني إذا أطنب مداحه ... قصدت في القول فلم أطنب
لا فك عني الله إن لم تكن ... أذكرتنا من عمر الطيب
وأصبح المشرق من شوقه ... إليك قد حن إلى المغرب
(١) راجع المطرب: ١٢٨ وفيه أيضاً تفصيل لفارة الغزال عند ملك النورمانديين ١٣٠ - ١٣٦.