للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ما يرتجي العاقل في مدة ... ألرجل فيها موضع الراس ولما نجم إبراهيم بن حجاج باشبيلية قصده القلفاط، كما قصده غيره من الشعراء، ومدحه بقصيدة أولها:

أرقت رحلتي فأهمت جفونا ... وفي تلك القصيدة أنحى بالهجاء على أهل بلده قرطبة، وأفحش في ذكر كبرائها وعظماء دولتها، فتوجس منه إبراهيم ريبة ولم يرق في عينه، وأبغضه لذلك وصرفه دون نوال، فعاد إلى قرطبة محنقا وأخذ يهجو إبراهيم بن حجاج، وقال فيه قصيدة مطلعها:

لا تنكري للبين طول بكائي ... ومنها البيت:

أبغي نوال الأكرمين معا ولا ... أبغي نوال البومة البكماء وبلغت القصيدة مسامع إبراهيم فغضب وحلف ان عاد القلفاط إلى الهجاء انه سيرسل إليه من يأخذ رأسه بقرطبة على فراشه، ودس إليه من يعلمه ذلك، فخاف القلفاط على نفسه وسكت، وحمد الناس بقرطبة لإبراهيم هذه الفعلة لشدة ما كان يلحقهم من هجاء القلفاط (١) ، ومعنى ذلك انه هدده إذا لم يكف عن الهجاء جملة.

هكذا هجاؤه أن يجني عليه وكذلك كان ميله إلى العبث سببا في مآزق كادت تودي بحياته، ذلك انه كان يحب التهكم بالمودبين ويحتال بصنوف الحيل ليعبث بهم؟ تنكر ذات مرة ودخل على مؤدب اسمه صالح بن معافى وأظهر له انه يريد أن يلقى العلم على يديه وانتسب له إلى البادية، فاجتهد صالح في تأديبه وتبصيره ثم دل على حقيقته فلما جاءه ذات يوم أمر تلاميذه بربطه إلى أحد أعمدة المسجد وضربه وتداول تلامذته ضربه كذلك حتى كادوا يأتون عليه (٢) .


(١) ابن عذاري ٢: ١٩٣ والمغرب ١: ١١١ قال إبراهيم بن حجاج: " والله الذي لا اله غيره لئن لم تكف عما أخذت فيه لآمرن من يأخذ رأسك فوق فراشك ".
(٢) طبقات الزبيدي: ٢٩٩

<<  <   >  >>