للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وتعرض مرة أخرى للموت بسبب الهجاء فقد كان في قرطبة رجل اسمه حرقوص وعد القلفاط ان يصحبه إلى كرم له بالجبل، وطالت المدة وحرقوص لا يفي بوعده، فلج القلفاط في هجائه، فلما سمع بذلك والد حرقوص لاطفه وأخذه إلى الكرم وجنى له من فواكهه شيئا حمله إلى منزله، ولكن القلفاظ لم يسكت عن الهجاء عندئذ ضاق حرقوص به ذرعا، واخذ سكينا؟ وقد عرف انه في داره - وتسور عليه الدار، فلحظه القلفاظ وأدرك الشر، فعمد إلى مصلاه واستقبل القبلة ودخل في الصلاة، فأمسك عنه حرقوص وقال: يا فاسق والله لولا انك عذت بمعاذ للقيت الله بدمك فانك زنديق حلال الدم (١) .

ولم تكن حاله مع الشعراء خيرا من هذا لأنه كان شديد التعرض كثير المهاجاة لهم (٢) ، حتى أن أصدقاءه منهم لم يسلموا من لسانه، وكان بينه وبين ابن عبد ربه سبب من صداقة ثم تغيرت الحال وتهاجيا هجاء مقذعا، كان من جملته قول القلفاط يهجوه (٣) :

يا عرس أحمد إني نزمع سفرا ... فودعيني سرا من أبي عمرا ومن أصدقائه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الملقب بالحكيم وكان الغاية في علم العربية والحساب، بات عنده القلفاط مرة حتى تبلج الصبح وكادت الشمس تطلع عليهما فانتبه القلفاظ فقال للحكيم:

يا ديك مالك لم تصرخ لتنبهنا ... لقد أسأت بنا ديك الدجاجات

يا آكلا للقذى يا سالحا عبثا ... على الحصير بهيمي البهيمات فأجابه الحكيم:

لقد صرخت مرارا جمة عددا ... قبل الصباح وبعد الصبح تارات

لكن علمتك نواما وذا كسل ... (٤) قليل ذكر لجبار السماوات


(١) طبقات الزبيدي: ٣٠٣ - ٣٠٤
(٢) المصدر السابق: ٣٠٣
(٣) النفح ٢: ٨٣٢ والمقتبس: ٤٢
(٤) طبقات الزبيدي: ٣٠٠

<<  <   >  >>