للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

التاريخ والأدب الأندلسي. ومعنى ذلك ان سيادة قرطبة قد اضمحلت وارتخت الأسباب التي كانت تمسك جوانب البلاد الأندلسية إلى مركز واحد، وانتهى تمركز الحياة الأدبية في العاصمة، وكانت الفترة التي تلت الفتنة تمهيدا لقيام أمراء الطوائف واتساع النهضة الأدبية في مدن الأندلس الأخرى.

آثار الفتنة في عمران قرطبة وحياة أهلها

ومن الآثار المباشرة للفتنة التخريب والدمار الذي أصيبت به قرطبة وقد وصف ابن حيان كيف أن أحدهم كان يتولى الإشراف على هدم قصور الأمويين فقال: " بيده بادت قصور بني أمية الرفيعة ودرست آثارهم البديعة، وحطت أعلامهم المنيعة، قدمه ابن السقاء مدبر قرطبة لجمع آلات ما تهدم من القصور المعطلة فاغتدى عليها اعظم آفة يبيع أشياء جليلة القدر رفيعة القيمة في طريق الأمانة؟ فعاث فيها عياث النار في يبيس العرفج، وباع آلاتها من رفيع المرمر ومثمن العمد ونضار الخشب وخالص النحاس وصافي الحديد والرصاص بيع الأدباء " (١) ، وكذلك كان من آثارها الهلع الذي أصيبت به النفوس من تغلب البرابرة، وترصدهم الحرم والدور بالهتك والسلب، ولقد بلغ من إشفاق الناس يومئذ انهم استفتوا شيوخ المالكية في تعجيل صلاة العتمة قبل وقتها خوفا من القتل، إذ كان متلصصة البرابرة يقفون لهم في الظلام، في طرق المسجد فربما آذوا أذى شديدا (٢) . وقضت الفتنة على كثير من العلماء والأدباء بالموت والتشريد، ويكفي ان يراجع القارئ كتاب الصلة حتى يجد فيه كثيرا ممن ترجم لهم ابن بشكوال أما قتلوا في الفتنة أو آثروا الهجرة إلى إحدى المدن الأندلسية، ومنهم من أبعد النجعة فبلغ مصر


(١) الذخيرة ١⁄٢: ١١١ وما بعدها.
(٢) الأحكام ٣: ٦٧

<<  <   >  >>